والأخبار القريبة من التواتر بل المتواترة معنى الواردة في الطعن على القائسين وأصحاب الرأي وأهل الاجتهاد من المخالفين ، المعلّلة باستكمال الدين المنزل من الله على نبيّه لجميع أحكامه ، وقد تقدّم أكثرها في احتجاج الأخباريّين على نفي الظنّ والاجتهاد.
ومن ذلك المرويّ عن نهج البلاغة من قول مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام في ذمّ اختلاف علمائهم في الفتيا مع صراحته في نفي التصويب قال عليهالسلام : « يرد على أحدكم القضيّة في حكم من الأحكام فيحكم بها برأيه ، ثمّ ترد تلك القضيّة بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ، ثمّ يجتمع القضاة عند الإمام الّذي استقضاهم فيصوّب آراءهم جميعا ، وإلههم واحد ونبيّهم واحد وكتابهم واحد فأمرهم الله بالاختلاف فأطاعوه أو نهاهم عنه فعصوه؟ أم أنزل الله دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه؟ أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى؟ أم أنزل لله دينا تامّا فقصّر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن تبليغه وأدائه ، والله سبحانه يقول : ( ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ) وفيه تبيان كلّ شيء ».
ومنها : الأدلّة السمعيّة الدالّة على أصل البراءة فيما لا نصّ فيه ، وغيره من عمومات الكتاب والسنّة كقوله تعالى : ( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) و ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها ) وقوله عليهالسلام : « ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم » و « الناس في سعة ما لم يعلموا » و « رفع عن امّتي ما لا يعلمون » و « كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي » إذ يستفاد من مجموعها أنّ في الوقائع المجهولة الحكم لله تعالى حكما لولا كونه مجهولا لترتّب عليه التكليف الفعلي من المؤاخذة واستحقاق العقوبة على المخالفة ، ولو انضمّ إليها أخبار التوقّف وأخبار الاحتياط لاستفيد من المجموع أنّ الجهالة في الوقائع المجعولة توجب التوقّف عن حكمها الخاصّ ثمّ البناء في العمل على البراءة أو الاحتياط ولا يتمّ ذلك إلاّ على تقدير وجود حكم خاصّ لله تعالى في كلّ واحد.
لا يقال : إنّ غاية ما ثبت من هذه الأدلّة وجود الأحكام الواقعيّة في الوقائع لذواتها للعالمين بها ، وهذا ليس بمحلّ كلام بل الكلام في كون الحكم المجعول للعالمين مشتركا بينهم وبين الجاهلين به الّذين منهم المجتهدون ، والأدلّة المذكورة ساكتة عن إفادة هذا المعنى.
لأنّا نقول : مع أنّ بعض ما سبق يدلّ على ثبوت الحكم الواقعي في كلّ واقعة على وجه العموم ، أنّ العموم يثبت بأدلّة الاشتراك في التكليف من الإجماع والضرورة والأخبار المتواترة الناطقة بأنّ : « حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة » و « أنّ حكم الله