من الرابع؟ وجهان بل قولان أظهرهما الأوّل ، لا بمعنى أنّ العمل بالمعنى المذكور غير واجب على المكلّف حيث وجب عليه التقليد ، كيف وهو المقصود بالأصالة من إيجاب التقليد ، بل بمعنى عدم كونه مأخوذا في مفهومه ومعناه العرفي ، لأنّه المعنى المنساق منه في الاستعمالات المبحوث عنه في أكثر المباحث الآتية المأخوذ في معاقد الإجماعات المنقولة على مشروعيّة التقليد وحسنه ، الّتي منها محكيّ السيّد في الذريعة قائلا : « والّذي يدلّ على حسن تقليد العامي أنّه لا خلاف بين الامّة قديما وحديثا في وجوب رجوع العامي إلى المفتي ، وأنّه يلزمه قبول قوله لأنّه غير متمكّن من العلم بأحكام الحوادث ، ومن خالف في ذلك كان خارقا للإجماع ، وليس يمكن للمخالف في ذلك رفع الإجماع على الرجوع إلى الفتوى ، ويأوّل هذا الرجوع بما هو بعيد فيقول : هو رجوع للتنبيه على النظر والاستدلال.
وهذا التأويل غير معلوم بل المعلوم ضرورة خلافه ، وأنّ العامي لا يستفتي على وجه طلب التنبيه على النظر بل ليلتزم » إلى آخر كلامه رفع مقامه (١).
مع أنّ المناسب للمعنى اللغوي المتقدّم والاستعمالات العرفيّة المتقدّمة هو الالتزام لا العمل بالمعنى المذكور ، مع مقابلة التقليد للاجتهاد وكونهما طريقين إلى العمل وامتثال أحكام الله تعالى فالاجتهاد للمتمكّنين منه والتقليد لغيرهم يعطي كونهما في غير جهة المقابلة على نمط واحد ، وكما أنّ الاجتهاد لم يؤخذ في مفهومه العمل بل هو مقدّمة له ووجوبه مقدّمي فكذلك التقليد ، فالعمل واجب أصلي يتوصّل إليه بأحد الأمرين من الاجتهاد والتقليد.
هذا مع أنّه ليس للقول باعتبار العمل فيه إلاّ أنّهم ذكروا للتقليد شروطا ترجع إليه بمعنى العمل كاجتهاد المقلّد بالفتح وإسلامه وعدالته ، أو إجماعهم قائم على أنّه لو أخذ من الكافر أو الفاسق ثمّ أسلم أو عدل جاز العمل ، فلو أنّها كانت شروطا له بمعنى مجرّد الأخذ والقبول لم يكن جائزا إلاّ بعد الإسلام والعدالة ، وأيضا لو أخذ من مجتهد ثمّ عدل المجتهد عن الفتوى أو حصل له التردّد في المسألة أو زالت ملكته لكان ذلك الأخذ كافيا في انعقاد التقليد مع أنّه يمكن دعوى إجماعهم على بطلانه.
وفيه : أنّ جواز الأخذ والقبول من فاقد الشروط والالتزام بما قاله ما دام فاقدا أوّل المسألة.
ودعوى إجماعهم على ذلك غير مسموعة ، وجواز العمل بعد وجدانها إنّما هو لحصول مقدّمته ولو على وجه غير مشروع ، فإنّ بناء ما ذكرناه على كون التقليد مقدّمة للعمل لا أنّه نفس العمل.
__________________
(١) الذريعة إلى اصول الشريعة ٢ : ٧٩٦.