واختلاف النتيجة إنّما ينشأ من التباس موضوعي واشتباه صغروي ومثله غير عزيز في استدلالات العلماء فضلا عن العوامّ.
نعم ربّما يتكلّم في حكم التقليد اللازم في غير الصورة الاولى من حيث إنّه يجزي لصاحبه أو لا يجزي؟ وهذا كلام آخر يأتي تحقيقه في مسألة الجاهل في العبادات.
وبما قرّرناه ظهر أنّ المسألة في جواز تقليد العامي الغير البالغ حدّ الاجتهاد في المسائل اجتهاديّة ومدركها العقل القاطع ، ولا سبيل للتقليد فيها ولا يكفي فيها الدليل الظنّي لئلاّ يلزم الدور ، ولو فرض عاميّ عجز عن النظر والاجتهاد في تلك المسألة بحيث لم يتمكّن عن تتميم الدليل العقلي على الوجه الّذي قرّرناه أيضا فلا بدّ وأن يجتهد في جواز التقليد في تلك المسألة وحدها الّتي هي مسألة اصوليّة أو كلاميّة كما هو الأظهر ، وطريقه أن يقال : إنّ جواز التقليد في الفروع للعامي أو وجوب الاجتهاد عليه فيها أيضا مسألة ، ولابدّ للعامي إمّا من الاجتهاد فيها بإقامة دليل واقعي على أحد الطرفين أو من تقليد الغير ، ولا سبيل له إلى الأوّل لتعذّره عليه فيقبح التكليف به بحكم العقل المستقلّ ، فتعيّن الثاني وحينئذ يرجع إلى مجتهد يجوّز التقليد في الفروع ويقلّده فيه لا إلى من يوجب الاجتهاد فيه ، وإلاّ رجع تقليده له إلى الالتزام بوجوب أمر غير مقدور وهو قبيح.
وبالجملة مسألة جواز التقليد في الفروع للعامي لابدّ وأن تكون اجتهاديّة ـ بأن يستند في تقليده فيها إلى اجتهاد نفسه في جواز ذلك التقليد ـ أو منتهية إلى الاجتهاد بأن يستند في تقليده في الفروع إلى تقليده في مسألة جواز التقليد في الفروع وفيه إلى اجتهاد نفسه القاضي بحكم العقل المستقلّ بتعيّن هذا التقليد.
ولو فرض أنّ عاميّا لقصور نظره وضعف فطنته عجز عن الاجتهاد في المقامين ، فإن لم يكن ملتفتا إلى مسألة جواز التقليد أصلا ومع ذلك قلّد من له أهليّة التقليد في الفروع صحّ تقليده لمصادفته الواقع ، وإن كان ملتفتا شاكّا في جواز التقليد وقلّد مع ذلك من له أهليّة التقليد فإن لم يكن شكّه هنا مخلاّ بقصد التقرّب في عباداته صحّ تقليده أيضا لمصادفته الواقع ، وإن أخلّ به كان في تقليده كمن لم يقلّد أصلا لشكّه في جوازه ، فهو إن تيسّر له الاحتياط والتفت إليه أيضا كان حكمه الواقعي هو الاحتياط ، وإن لم يتيسّر له ذلك أو كان غافلا عنه بالمرّة فمقتضى قواعد العدليّة كونه كمن لا تكليف عليه أصلا ، لقبح خطابه بكلّ من الطرق الثلاث المعمولة في الفروع من الاجتهاد والتقليد والاحتياط