عقد النكاح يحتاط فيجمع بين صيغتي العقد وهكذا ، لأنّها أسباب لمسبّبات معيّنة لم يعتبر في ترتّبها عليها نيّة القربة حتّى يستشكل من جهة تعذّر إحراز النيّة من الجاهل ، ولم يقل أحد فيها باشتراط قصد الوجه ولا العلم به حتّى يستشكل تمسّكا بانتفاء الشرط ، كما أنّ من الظاهر أيضا اختصاص جريان الاحتياط في العبادات بكلّ واقعة لم يحتمل فيها الحرمة الذاتيّة لعدم إمكانه مع احتمالها.
وأمّا الحرمة التشريعيّة فلا تنافي الاحتياط بل هو رافع لموضوعها ، لأنّه عبارة عن الإتيان بما لم يعلم كونه من الشرع لرجاء كونه من الشرع ، ويتأتّى معه نيّة القربة لو كانت عبادة أو احتمل كونها كذلك ويرتفع به موضوع التشريع ، سواء أخذناه بمعناه الأعمّ وهو إدخال ما لم يعلم دخوله في الدين فيه ، أو بمعناه الأخصّ وهو إدخال ما علم خروجه من الدين فيه كما هو واضح.
ولا ينافيه أيضا قوله تعالى : ( أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ * وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) لأنّه ليس قولا على الله بل هو أخذ بما لعلّه من الله.
ثمّ إنّ صور الاحتياط بأجمعها ومواردها مقصورة على أربع يختلف باختلافها كيفيّته ، ففي محتمل الوجوب أو الحرمة يتأتّى باختيار الفعل في الأوّل والترك في الثاني ، وفيما يشكّ كون وجوبه على التعيين أو التخيير بينه وبين غيره يتأتّى بإتيان ما احتمل التعيين ، وفيما يشكّ في جزئيّة شيء أو شرطيّته للعبادة يتأتّى بالإتيان بها مع المشكوك فيه جزءا أم شرطا ، وفيما يتردّد المكلّف به بين المتبائنين كالظهر والجمعة والقصر والإتمام يتأتّى بالجمع والتكرار ، فهل يشرع في الجميع ، أو لا في الجميع ، أو شرع في الصورة الاولى خاصّة ، أو في الصورتين الاوليين كذلك ، أو في الصور الثلاث الاولى دون الأخيرة؟ ومنشاؤه الاستشكال في صحّة العمل اكتفاء بالامتثال الإجمالي ـ وهو ما لا يعلم أنّ موافقة الأمر بأيّ شيء حصل ـ مع إمكان الامتثال التفصيلي بمعرفة الحكم الفعلي بطريق الاجتهاد ولو ظنّا أو التقليد ولو تعبّدا ، والمراد من مشروعيّة الاحتياط ـ على ما نبّهنا عليه في عنوان المسألة ـ كونه طريقا مجعولا ليكون في مقابلة كلّ من الطريقين أحد فردي الواجب التخييري ، بناء على أنّه يشاركهما في المصلحة الباعثة على جعلهما طريقين وهو إدراك مصلحة الواقع أو مثل مصلحة الواقع.
ومن الاصول العقليّة أنّ الشيئين المتشاركين في المصلحة يقبح إيجاب أحدهما على