لا ينافي أيضا جوازه وحصول الإجزاء به بل حسنه ورجحانه ، إذ ليس مفاد هذه الأدلّة حرمته والمنع من سلوكه ، ومرجعه على تقدير صحّة الفرض إلى كونه مسقطا عن الطريق المجعول وإن لم يكن بنفسه طريقا مجعولا يجب سلوكه تعيينا أو تخييرا ، بناء على أنّ وجوب سلوك أحد الطريقين غيريّ قصد به إدراك مصلحة الواقع ، أو إدراك مثل مصلحة الواقع المتدارك به مصلحة الواقع وإذا كان هناك طريق آخر غير مجعول أفاد إدراك نفس الواقع دائما لم يعقل عدم كونه مجزيا ومسقطا عن الطريق المجعول.
مع أنّه لا نجد في الوجوه العقليّة ولا الشرعيّة عدا أمور ربّما يتخيّل كونها وجها للمنع ، من الأصل المعبّر عنه بأصالة التعيين في واجب دار الأمر فيه بين التعيين والتخيير ، أو التشكيك في كفاية الموافقة الإجماليّة في الامتثال الواجب في موضع الاشتغال اليقيني مع إمكان الموافقة التفصيليّة حسبما أشرنا إليه ، أو لزوم قصد الوجه بمعنى الوجوب والندب في صحّة العبادة ، أو اعتبار معرفة الوجه على أنّها بنفسها من شروط الصحّة لا على أنّها مقدّمة لقصد الوجه على تقدير وجوبه ، أو إطلاق الإجماعات المنقولة على عدم معذوريّة الجاهل وبطلان عباداته الّتي منها ما ادّعاه السيّد الرضيّ وقرّره عليه أخوه السيّد المرتضى قدسسرهما في مسألة جاهل المقصّر إذا صلّى تماما المحكوم عليه في المشهور بصحّة صلاته ، حيث سئل عن هذه المسألة فقال : « الإجماع منعقد على أنّ من صلّى صلاة لا يعلم أحكامها فهي غير مجزية ، والجهل بأعداد الركعات جهل بأحكامها فلا تكون مجزية ».
وأجاب المرتضى رحمهالله عنه : بجواز تغيّر الحكم الشرعي بسبب الجهل وإن كان الجاهل غير معذور.
ولا خفاء في وهن الجميع :
أمّا الأوّل : فلأنّ الأصل النافي للاجتزاء بغير ما احتمل كونه واجبا على التعيين وإن صحّ في مظانّه غير أنّ المقام ليس من مظانّه ، إذ لا مدرك له سوى قاعدة الاشتغال فيدور في جريانه مدار هذه القاعدة ، وظاهر أنّها لا تجري إلاّ في موضع الشكّ في البراءة لو لا العمل بما يوجب اليقين ، وقد ظهر ببياناتنا المتقدّمة أنّ العقل مستقلّ بإدراك الامتثال والخروج عن العهدة فلا شكّ في البراءة على تقدير العمل بالاحتياط فيخرج المقام عن مجرى القاعدة ، كيف ولا موجب للشكّ إلاّ أحد الوجوه الباقية وستعرف عدم صلاحية شيء منها منشأ له.
وأمّا الثاني : ـ فمع توجّه المنع إلى إطلاق دعوى الموافقة الإجماليّة بالقياس إلى جميع