الصور الأربع المتقدّمة وإنّما تسلّم في خصوص الصورة الأخيرة ، لوضوح أنّ الاحتياط في الثلاث الاولى موافقة تفصيليّة ، لأنّه فيما يحتمل الوجوب إنّما يأتي به بداعي امتثال الأمر به بعينه على تقدير وجوبه في الواقع ، وفي الإتيان بما جامع المحتملات في مسألة الجهل بحكم الأجزاء من حيث الوجوب والاستحباب إنّما يأتي بالمأمور به بداعي الأمر به بعينه.
غاية الأمر أنّه على تقدير عدم وجوب جميع الأجزاء إنّما أتى بعين المأمور به مع زيادة ، وفي الإتيان بما احتمل كون وجوبه على التعيين إنّما يأتي بنفس المأمور به بداعي الأمر به المردّد بين التعيين والتخيير ـ : أنّ شبهة كفاية الموافقة الإجماليّة في الامتثال إمّا ترجع إلى الشكّ في صدق الإطاعة والامتثال على الموافقة الإجماليّة ، أو إلى الشكّ في الكيفيّة المطلوبة من الامتثال بحسب جعل الآمر ، على معنى أنّ الإطاعة والامتثال المطلق وإن كان يصدق على الموافقة الإجماليّة كما يصدق على الموافقة التفصيليّة غير أنّ الشكّ في خصوص المقام في أنّ الامتثال في لحاظ الآمر هل قصد مطلقا أو مقيّدا بجهة التفصيل؟
وبعبارة اخرى : أنّ الشكّ في أنّ الامتثال المقصود من الأمر هل يتأتّى بالموافقة الإجماليّة أو لا يتأتّى إلاّ بالموافقة التفصيليّة وعدم الاجتزاء بالموافقة الإجماليّة؟
وأيّامّا كان فهي ليست في محلّها ، إذ الإطاعة والامتثال ممّا لا يعقل له معنى إلاّ أداء المأمور به على حسبما امر به بداعي الأمر به ، وهذا المعنى صادق في جميع صور الاحتياط حتّى صورة التكرار ، لأنّه عند الإتيان بالفعلين المتعاقبين إنّما يقصد بإتيانهما أداء المأمور به منهما على حسب ما امر به بداعي الأمر به لا غير ، وهذا المعنى بعد فرض صدقه مع الموافقة الإجماليّة ممّا لا يقبل التقييد في لحاظ الأمر بجهة التفصيل ، لما نجد بالعيان وشهادة الوجدان المغني عن مؤنة إقامة البرهان أنّ الآمر في لحاظ الأمر غير متعرّض لتقييد ما قصده من الامتثال بجهة التفصيل ، وليس هذا إلاّ من جهة أنّ غرضه حصول أداء المأمور به على حسبما امر به في الخارج من غير نظر إلى جهتي الإجمال والتفصيل اللاحقين بالامتثال ، ومن غير خصوصيّة لجهة التفصيل تعلّق غرضه بها ، بل يقبح عليه في نظر العقل مؤاخذة المقتصر على الموافقة الإجماليّة بعد إحراز حصول أداء المأمور به على حسب ما امر به في الخارج لمجرّد إخلاله بجهة التفصيل في الامتثال.
وهذا كلّه آية أنّ تلك الخصوصيّة ملغاة في نظر العقل والعرف والشرع.
وإن شئت فاستوضح ذلك بالصلاة إلى القبلة فيمن صلاّها إلى جهتين يقطع بكون