المأمور به الواقعي بالمعنى الدائر بين الأوّلي ـ وهو الّذي أمر به المكلّف المختار الّذي لم يطرئه جهة اضطرار ـ والثانوي وهو الّذي أمر به المضطرّ الّذي طرئه جهة اضطرار بالقياس إلى بعض الأفعال أو الشروط ، فإذا التفت الجاهل إلى عمله وتردّد بين صحّته وبطلانه وجب عليه تطبيقه على المأمور به الواقعي بأحد قسميه حسبما ساعد عليه حالته من الاختيار والاضطرار ليظهر عليه مطابقته أو مخالفته له ، وحينئذ فإن كان له طريق إلى الواقع بالمعنى المذكور فلا كلام ، وإلاّ وجب عليه الرجوع إلى ما يقوم مقام العلم بالواقع شرعا وهو الطريق المشروع للمكلّف المتفطّن الّذي يجب عليه حال التفطّن والالتفات الأخذ بمؤدّاه من اجتهاد أو تقليد مجتهد يصحّ تقليده.
فالمراد بالواقع حينئذ مؤدّى ذلك الطريق ، بتقريب : أنّ مقتضى أدلّة طريقيّته حسبما بيّنّاه مرارا وجوب الأخذ بمؤدّاه وترتيب الآثار والأحكام عليه على أنّه الواقع ، فالجاهل بعد العمل ولو بمدّة متطالية إذا حصل له التردّد في صحّته وبطلانه راعى الطريق المشروع في حقّه من اجتهاد أو تقليد بالمراجعة إليه ، فإن ساعد على صحّة نوع هذا العمل المأتيّ به انكشف مطابقته للواقع بالمعنى المذكور ، وإن ساعد على فساد نوعه انكشف مخالفته الواقع ، مثلا لو صلّى صلاة بلا سورة باعتقاد عدم [ وجوب ] غير ما أتى به لقصور أو تقصير ، ثمّ التفت إليه بعد مدّة وتردّد في صحّة هذه الصلاة رجع إلى الطريق الّذي يجب عليه في هذه الحالة أن يرجع إليه والأخذ بمؤدّاه ، فإن أدّاه إلى وجوب السورة في الصلاة تبيّن فساد صلاته المأتيّ بها لعدم مطابقتها الواقع فوجب عليه إعادتها أو قضاؤها ، وإن أدّاه إلى عدم الوجوب تبيّن صحّتها لمطابقتها الواقع فلا عليه إعادة ولا قضاء ، ولا يكفي في إحراز مطابقة الواقع مطابقة العمل لفتوى من فتاوى الفقهاء وإن لم يكن حال الالتفات وطروّ الشكّ طريقا مشروعا في حقّه كما حكي القول به ، إذ مطلق [ الفتوى ] قد يكون فتوى الميّت مع وجود الحيّ ، وقد يكون فتوى المفضول مع وجود الأفضل ، أو غيرهما ممّن فقد بعض شرائط الإفتاء وليس بطريق مشروع في حقّ المقلّد في حال الالتفات على القول باعتبار الأعلميّة.
ولو تعدّد من له أهليّة الإفتاء وجاز تقليد كلّ على وجه التخيير واختلفا في الرأي اعتبر في إحراز المطابقة والعدم موافقة العمل لمن اختاره ومخالفته ، ولا يكفي الموافقة لأحدهما ومخالفته قبل الاختيار لاستحالة الترجيح من غير مرجّح.