وأمّا ثالثا : فلأنّ معنى كفايته أنّه يكفي في ثبوت الإسلام والإيمان وترتيب آثارهما وأحكامهما ، وهذا في تقليد أهل الباطل غير معقول.
وأمّا رابعا : فلأنّ تعميم المبحث بالقياس إلى التقليد في الباطل لا يلائمه ما ستعرف عن الشيخ في العدّة من مصيره إلى العفو عن المقلّد مع قوله بوجوب النظر ، لعدم صحّة إطلاق العفو حتّى بالنسبة إلى مقلّدة الباطل حتّى بالنسبة إلى قاصريهم.
غاية الأمر كونهم لأجل القصور أو العجز عن النظر من المرجين لأمر الله وهذا ليس من العفو في شيء.
ومن هنا ربّما يشكل الحال في تحقيق موضوع المسألة بحيث يظهر فيه ثمرة النزاع ، وهي كون المكلّف في العقائد من حين الشروع في تحصيلها على بصيرة في حكمه من حيث جواز التقليد له وعدمه ، إذ النظر في محلّ البحث إن كان في القاصر الغير المتمكّن من النظر إمّا لعدم التفطّن به أو بوجوبه أو عجزه عنه فهو خارج عن المتنازع ، لقبح خطابه واقعا بالمنع من التقليد أو التخيير بينه وبين النظر ، فلا بدّ فيه من الالتزام بعدم تكليف له في العقائد أصلا ، كما ذكرنا نظيره في مسألة الجاهل في الحكم الشرعي بالنسبة إلى القاصرين في الفروع ، وهو قضيّة كونهم من المرجين لأمر الله أو يكون تكليفه فيما اعتقده بطريق التقليد حقّا كان أو باطلا.
وإن كان في المتفطّن المتمكّن من التقليد والنظر معا ، فكونه من حين الشروع في تحصيل العقائد على بصيرة في حكمه على القول بجواز التقليد له موقوف على امتياز أهل الحقّ في نظره ليقلّدهم عن أهل الباطل ليتجنّب عن تقليدهم ، وهذا ممّا لا سبيل له إليه ، لأنّ كلاّ من أرباب الديانات والمذاهب المختلفة في العقائد يزعم نفسه محقّا ومخالفته مبطلا ، وعليه فوجب أن لا يجوز له التقليد إلاّ بأن يعرف بالاستدلال أنّ ما يقوله المقلّد ـ بالفتح ـ حقّ وخرج بذلك عن كونه مقلّدا ، كما أشار إليه العلاّمة فيما حكي عنه في النهاية ، فإنّه بعد ما ادّعى الإجماع على عدم جواز تقليد غير المحقّ قال : « وإنّما نعلم المحقّ وغيره بالنظر والاستدلال على أنّ ما يقوله حقّ ، فإذن لا يجوز له التقليد إلاّ بعد الاستدلال ، وإذا صار مستدلاّ امتنع كونه مقلّدا » انتهى.
فإذا فرضنا انتفاء الاستدلال وامتناع التمييز بدونه يتعيّن عليه حينئذ لقاعدة الشغل والاحتياط الواجب في نحو المقام اختيار طريق النظر في تحصيل العقائد الحقّة لئلاّ يقع