في مخالفة الواقع الموجبة للخلود في النار والعذاب الدائم ، وعليه فالقائل بوجوب النظر ومنع التقليد مستظهر لمساعدة الأصل والقاعدة عليه.
ثمّ الفرق بين الاصول والفروع أنّ المطلوب بالذات والمقصود بالأصالة في الفروع إنّما هو العمل ، والعلم مع ما يقوم مقامه إنّما يطلب لمجرّد الطريقيّة ومن باب المقدّمة فلا محيص فيها من العمل مع العلم.
غاية الأمر أنّه مع تعذّره بفقد الطرق العلميّة لابدّ من إيقاع العمل على طبق ظنّ أو أصل فلا معنى فيها للوقف عن العمل على كلّ تقدير ، بخلاف اصول الدين الّتي لا يطلب فيها عمل أصلا بل المطلوب بالذات فيها الاعتقاد مع التديّن بالمعتقد ، وهو ليس بعين الاعتقاد ولا من لوازمه ولا من ملزوماته ، بل هما قد يجتمعان وقد يتفارقان ، إذ الاعتقاد إذعان للواقع والتديّن بالمعتقد إطاعة نفسانيّة شبه إطاعة الجوارح في العمليّات ، فإنّ الإطاعة في كلّ شيء بحسبه ففي العمليّات عبارة عن عمل الجوارح وفي العمليّات عبارة عن عمل القلب وهو الانقياد والقبول الّذي يكشف عنه الإقرار باللسان تارة والعمل بالأركان اخرى.
ولا ريب أنّه أيضا معتبر في الإسلام والإيمان ولا يكفي فيهما مجرّد الاعتقاد والإذعان ، ولذا حكم بكفر إبليس وفرعون وكثير من الكفّار والمشركين ، وهو الّذي يعبّر عنه في الأخبار وكلمات العلماء الاختيار بكفر الجحود ، ويلائمه الكفر باعتبار معناه اللغوي ، فإذا كان كلّ من الاعتقاد والتديّن بالمعتقد معتبرا في مسائل اصول الدين فالنزاع في كفاية التقليد بل مطلق الظنّ فيها يمكن تصويره بوجهين :
أحدهما : أنّهم بعد ما اتّفقوا على كون كلّ من الاعتقاد والتديّن معتبرا على وجه الموضوعيّة ، على معنى محبوبيّة كلّ من الأمرين ومطلوبيّته لذاته لمصلحة فيه نفسه ، اختلفوا في أنّ هذا الموضوع المطلوب لذاته هل هو خصوص العلم بمعنى الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع المستحصل من النظر والدليل ، أو هو العلم بمعنى الاعتقاد الجازم المطابق مطلقا وإن كان من التقليد ، أو الاعتقاد مطلقا ولو ظنّا مستحصلا من النظر والاستدلال ، أو مطلقا وإن استند في حصوله إلى التقليد؟ فذهب إلى كلّ فريق ، وعليه ينطبق الأقوال الستّ المنقولة في العقائد :
الأوّل : اعتبار العلم فيها من النظر والاستدلال ، وهو المعروف المنسوب إلى الأكثر المدّعى عليه الإجماعات المنقولة في كلام جماعة من أساطين العامّة والخاصّة كما سبق.