عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر والعصبيّة الشديدة والتكالب على حطام الدنيا وحرامها وإهلاك من يتعصّبون عليه وإن كان لإصلاح أمره مستحقّا وبالترفرف بالبرّ والإحسان على من تعصّبوا له وإن كان للإذلال والإهانة مستحقّا ، فمن قلّد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الّذين ذمّهم الله تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم ، فأمّا من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا على هواه ، مطيعا لأمر مولاه ، فللعوام أن يقلّدوه ، وذلك لا يكون إلاّ بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم ، فأمّا من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامّة فلا تقبلوا منهم عنّا شيئا ولا كرامة » الحديث.
والروايات الناهية عن الإفتاء بغير علم وقد تقدّم نبذة منها ، وإنّ غير المؤمن ظالم فيحرم الركون إليه لقوله تعالى : ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) ، وأنّ المفتي لا بدّ وأن يكون عالما بالحكم الواقعي أو الظاهري لقوله تعالى : ( وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) ومن ليس بفقيه غير عالم.
ولا فرق في المجنون بين المطبق والأدواري ، ولا في الكافر والمخالف بين مخالفة فتواه أو استنباطه لاصولنا وغيرها.
فما استشكله بعض الأعلام بقوله : « فلو فرض أنّ مخالفا ثقة صدوقا أفتى على وفق اصولنا وطريقتنا بحيث يحصل الاطمئنان بمساواته مع المفتي من أصحابنا في الاستنباط على اصولنا ـ كما كان جماعة من أصحابنا مفتي الفرق والعامّة كانوا يعتمدون عليهم ـ فيشكل الحكم بعدم جواز الرجوع إليه ، وعدم اعتقاده بالحكم لا ينافي عدم التقصير في الاستنباط وعدم الكذب في الإخبار عنه » واضح الضعف ، إذ الحكم بمقتضى الاصول والأدلّة المتقدّمة تعبّدي ، فالموافقة لاصولنا غير مجدية.
وأضعف منه ما ناقشه في اشتراط العدالة بقوله : « وأمّا العدالة فظاهرهم الوفاق في اعتباره ، وإن كان يمكن القول بكفاية الوثوق في الاستنباط والصدق نظير ما كان يقوله الشيخ رحمهالله في إخبار المتحرّزة عن الكذب مع كونهم فاسقين بسائر الجوارح » لوضوح الفرق بين العمل بالفتوى والعمل بالرواية ، لابتناء الأوّل على كون الحكم المفتى به فعليّا ولم يثبت في فتوى الفاسق ، مع قضاء الأدلّة بكون العدالة كالإيمان وسائر الشروط شرطا تعبّديّا ، وكون الثاني عند الشيخ وموافقيه منوطا بظنّ صدور الرواية عن المعصوم والوثوق بصدقها ـ وهو الأقوى ـ ويكفي في ذلك كون الراوي متحرّزا عن الكذب.