نعم لو كان النظر في اعتبار العدالة إلى إحراز الصدق ورفع اتّهام الكذب عن المفتي من حيث تضمّن فتواه الإخبار برأيه واستنباطه ـ فإنّ قوله : « العصير العنبي حرام » مثلا حيثما سئل عن حكمه يتضمّن إخبارين : كون رأيه في هذا الموضوع الناشئ عن الاستنباط الحرمة ، وكون الحرمة حكم الله الفعلي في الواقعة ، فلا بدّ من اعتبار العدالة فيه دفعا لاحتمال الكذب عن إخباره برأيه واستنباطه ، كما يشير إليه ما عن الذكرى من الاستدلال بآية التثبّت وببعض الأخبار مثل قوله : « أعدلهما » في مقبولة عمر بن حنظلة ومرفوعة زرارة ـ اتّجه القول بكفاية الوثوق والاطمئنان بالصدق في الإخبار بالرأي وعدم التقصير في الاستنباط وإن حصل من ملاحظة كونه متحرّزا عن الكذب مع كونه فاسقا من جهة اخرى ، ولكنّه لا يلائم كلماتهم الظاهرة في تعبّدية الشرط ويعضده ظهور الإجماع عليه.
وهل المعتبر في الشروط المذكورة وجودها في زمان الاجتهاد أعني استنباط الأحكام عن مداركها ، أو في زمان الإفتاء الّذي هو زمان الأخذ بالنسبة إلى المقلّد ، أو في زمان العمل بالمأخوذ الّذي هو متأخّر عن الأوّلين ، أو يعتبر وجودها في حالي الإفتاء والعمل معا؟
والظاهر أنّه لا يشترط في زمان الاجتهاد ما عدا وجود الملكة المقتدر بها على استنباط الأحكام عن مداركها بل الظاهر أنّه إجماعيّ ، ولذا ذكرنا أنّها من شرائط المفتي من حيث إفتائه لا من حيث استنباطه ، فلو اجتهد في حال النقص بصبائة أو جنون أو كفر أو فسق مع كونه في جميع الصور ذا ملكة ثمّ استكمل في زماني الإفتاء والعمل جاز الأخذبه والعمل عليه.
وأمّا في الأخيرين فقد يدخل في الوهم اشتراط وجودها في حال الإفتاء فقط وكفايته قياسا للفتوى على الرواية الّتي يشترط فيها وجود الشروط المذكورة مع الضبط ما عدا الاجتهاد في الراوي ، فإنّ المعتبر وجودها حال الرواية والإخبار لا بشرط وجودها حال تحمّل الرواية ولا حال العمل بها ، ولذا أجمعت الطائفة على العمل بروايات جماعة تحمّلوها حال نقصهم وتخليطهم وعدم استقامتهم مع استكمالهم واستقامتهم حال الرواية ، وكذلك على العمل بروايات جماعة رووها حال استقامتهم ثمّ طرأهم النقص والتخليط فيما بعد ذلك.
وبالجملة النقص وعدم استقامة السابقان كالنقص وعدم استقامة اللاحقين لا يقدحان في صحّة الرواية وجواز العمل بها فكذا الفتوى ، كما يستشمّ هذه المقايسة ممّن نقض الثانية بالاولى في ردّ من لا يجوّز تقليد الميّت ابتداءا ولا البقاء على تقليده بناء منه على اشتراط حياة المفتي ابتداء واستدامة ، حيث إنّ الطائفة يعملون بروايات الأموات ابتداء واستدامة من غير توقّف ونكير.