ولكنّه يندفع بوضوح الفرق بين المقامين الموجب لبطلان المقايسة ، والفارق أنّ الحجّة في الرواية هو قول الراوي من حيث إنّه كلام يحكي السنّة ، وحجّيته من باب الطريقيّة فلا بدّ في إحراز صدقه ورفع احتمال الكذب والسهو عنه من اعتبار الشروط المذكورة مع الضبط حال الرواية ليحرز به السنّة الّتي هي قول المعصوم أو فعله أو تقريره ، وإذا حصل الوثوق والاطمئنان بصدق الراوي وعدم سهوه بملاحظة الشروط المذكورة احرز به السنّة.
ولا يقدح فيها بعد إحرازها النقص السابق ولا عدم استقامة اللاحق ، فالعمل بالرواية حينئذ مرجعه إلى العمل بالسنّة المحرزة بها حال الإخبار ، لا إلى العمل بها من حيث إنّها قول الراوي ، ومن ثمّ لا يعتبر بقاء الشروط ولا حياة الراوي حال العمل مطلقا ، بخلاف الفتوى فإنّ الحجّة فيها إنّما هو رأي المفتي ، واللفظ الصادر منه إنّما يؤخذ به لكشفه عن الرأي ، وحجّيته بالنسبة إلى عمل المقلّد من باب الموضوعيّة ، لكونه موضوعا للحكم الفعلي الّذي يترتّب عليه آثار الواقع ، ومن الظاهر أنّ هذا الموضوع إنّما يحتاج إليه في مقام العمل فلابدّ وأن يكون جامعا للشروط حال العمل ، لأنّه في موضوعيّته للمحمول المذكور بمقتضى أدلّة الشروط مقيّد بها على وجه يكون كلّ منها جزءا للموضوع ، واللازم من ذلك انتفاء الموضوع بانتفائها كلاّ أم بعضا ويستحيل معه بقاء المحمول ، فلا يجوز العمل بعد طروّ النقص للمفتي وإن كان كاملا قبل ذلك.
ومن هنا اندفع نقض الفتوى بالرواية في ردّ من لا يجوّز تقليد الميّت ولا البقاء على تقليده ، فإنّهما على ما بيّنّاه ليسا من واد واحد ليجري حكم أحدهما في الآخر فكيف حكم الفتوى بما هو من أحكام الرواية.
وبالجملة فلا ينبغي التأمّل في اعتبار الشروط المذكورة في حال العمل بالفتوى لأنّه ممّا لا كلام فيه بل الظاهر أنّه أيضا إجماعي ، وإنّما الكلام في أنّه هل يعتبر مع ذلك وجودها في حال الإفتاء أيضا أو لا؟
والظاهر بل الّذي ينبغي أن يقطع به هو الأوّل لوجوه :
الأوّل : ما اخترناه عند تعريف التقليد من أنّه الالتزام والتديّن بقول الغير ، على معنى الأخذ به على أنّه من الدين ، فلا بدّ وأن يحتوي المفتي للشروط المذكورة من حال الإفتاء إلى جميع حالات العمل.
نعم على القول بأنّه العمل فقط اتّجه القول بكفاية وجودها حال العمل وإن كانت منتفية حال الإفتاء ، غير أنّه خلاف التحقيق.