الثاني : ما أشرنا إليه سابقا من أنّ الإفتاء يتضمّن إخبارين : الإخبار برأيه ، والإخبار بكون رأيه حكم الله الفعلي ، ومن ذلك ينتظم القياس المؤلّف من قطعيّتين يعبّر عنهما : « بأنّ هذا ما أفتى به المفتي ، وكلّما أفتى به المفتي فهو حكم الله في حقّي ».
ولا ريب أنّ الصغرى المذكورة تتولّد من الإخبار الأوّل في حال الإفتاء والكبرى تتولّد من الإخبار الثاني ، والأوسط المتكرّر فيهما وهو الحكم المفتى به وإن كان رأي المفتي إلاّ أنّه بمقتضى أدلّة الشروط المذكورة مقيّد بها ، والحاجة إليه إنّما تحصل في حال العمل والإفتاء معا فلابدّ من وجودها في كلتي الحالتين.
الثالث : أنّ الشروط المذكورة قد ينظر إليها لأمر يرجع إلى المقلّد المستفتي وهو جواز العمل بالحكم المفتى به ، وقد ينظر إليها لأمر يرجع إلى المقلّد المفتي وهو الولاية على الإفتاء والقابليّة والتأهّل له ، بناء على أنّ الإفتاء كالقضاء منصب من المناصب الشرعيّة كما هو ظاهر كلام الأصحاب ، ومرجع إثبات الشروط إلى بيان أنّ الفاقد ليس له هذا المنصب ، والأمر الراجع إلى المقلّد بالكسر حكم تكليفي وإلى المقلّد بالفتح حكم وضعي ، وأثر الأوّل يظهر في حال العمل وأثر الثاني يظهر في حال الإفتاء فلابدّ من وجود الشرائط في الحالتين معا.
نعم هاهنا شروط اخر بعضها ما هو على تقدير شرطيّته معتبر في حال الإفتاء فقط كالضبط على ما ذكره بعض الفضلاء تبعا للشهيدين في الذكرى والروضة ولا يخلو عن وجه ، التفاتا إلى أنّ الإفتاء لتضمّنه الإخبار بالرأي لابدّ في مطابقته الواقع من اعتبار ما يدفع عنه احتمال الكذب وهو العدالة مثلا ، وما يدفع عنه احتمال الخطأ بالسهو والنسيان وهو الضبط الّذي هو عبارة عن غلبة الذكر على السهو ، وهذا بناء على هذا التوجيه يختصّ اعتباره بحال الإفتاء كما هو واضح.
لكن عن الذكرى تعليله بتعذّر درك الأحكام بدونه ، وهذا يقتضي باختصاصه بحال الاستنباط ، لكنّه عليل جدّا.
ومنها ما لو ثبت شرطيّته كان معتبرا في جميع الحالات الثلاث ، أعني حال الاستنباط والإفتاء والعمل كالأعلميّة والأورعيّة على القول باشتراطهما في التقليد ، وحياة المقلّد بالفتح فإنّها شرط عقلي للاستنباط وشرعي للأخذ ـ بناء على القول بمنع تقليد الميّت ابتداء ـ والعمل أيضا بناء على القول بعدم جواز البقاء على تقليد الميّت.
ومن جملة ذلك اجتهاد المفتي على معنى كونه ذا ملكة راسخة ، ولذا لو زال ملكته لعارض وجب العدول عن تقليده إلى صاحب الملكة ، فيشترط وجود الاجتهاد بهذا المعنى