وفي صحّة رجوع المقلّد إليه علمه بحصول الشرائط فيه * ، إمّا بالمخالطة المطلقة ، أو بالأخبار المتواترة ، أو بالقرائن الكثيرة المتعاضدة ، أو بشهادة العدلين العارفين. لأنّها حجّة شرعيّة إلاّ أنّ اجتماع شرائط قبولها في هذا الموضع عزيز الوجود كما لا يخفى على المتأمّل.
ويظهر من الأصحاب هنا نوع اختلاف ، فإنّ العلاّمة رحمهالله قال في التهذيب : لا يشترط في المستفتي علمه بصحّة اجتهاد المفتي ،
__________________
في حال الاستنباط وبقائه إلى حالي الأخذ والعمل ، ويجب على المقلّد حين إنشاء التقليد إحراز فتوى مجتهده وكونها ناشئة عن الاستنباط وكون الاستنباط ناشئا عن الملكة ، وهذا هو الّذي يعبّر عنه في كلام القوم باشتراط كون المفتي من أهل الاجتهاد ، وهل يجب في صحّة رجوع المقلّد إليه وجوازه علمه باجتهاده أو يكفيه غلبة الظنّ؟ فيه خلاف أشار إليه المصنّف.
* الظاهر أنّه أراد من العلم هنا ما يعمّ العلم العقلي والعلم الشرعي ، بقرينة عطف شهادة العدلين الّتي هي علم شرعي على الامور السابقة عليه الّتي هي أسباب للعلم العقلي ، وظاهر العبارة كون العلم المذكور شرطا لجواز التقليد ، فيكون كالشروط المذكورة من قيود المقلّد ومحصّله : المجتهد المعلوم الاجتهاد ، وهذا خلاف التحقيق لعدم توقّف أصل الجواز على أزيد من الشروط المتقدّمة ، والعلم المذكور إنّما يتوقّف عليه العلم بالجواز لا أصل الجواز.
والسرّ فيه : أنّ الجواز بحسب أدلّة الشروط معلّق على موضوع واقعي اخذ فيه قيود فما لم يعلم تحقّقه بقيوده وصدقه على ما شكّ أو ظنّ حصول الشرائط فيه لم يعلم جواز الرجوع إليه ، ومن الظاهر أنّ عدم العلم بالجواز في الامور المخالفة للأصل كاف في الحكم بعدم الجواز حتّى مع الظنّ بحصول الشرائط ما لم يقم دليل بالخصوص على حجّيته ، لكونه ظنّا في الموضوع الصرف والأصل فيه عدم الحجّية.
ومن هنا ظهر أنّ القائل باعتبار العلم وعدم كفاية الظنّ مستظهر لموافقة قوله الأصل ، وعليه فالدليل يطالب من القائل بكفاية الظنّ لا من القائل باعتبار العلم. لكن ينبغي أن يعلم أنّ أثر هذا البحث إنّما يظهر في خصوص اجتهاد المفتي ، لوضوح حكم سائر الشرائط من