غير حاجة له إلى عقد هذه المسألة ، إذ العدالة منها ـ على ما قرّرناه في رسالة منفردة (١) ـ يكفي في ثبوتها حسن الظاهر المفيد للوثوق بوجود الصفة النفسانيّة ، والوثوق بوجودها الحاصل من غير جهة حسن الظاهر كائنا ما كان من غير تفاوت فيه بين مواردها الّتي منها المفتي والإسلام ، بل الإيمان منها يكفي في ثبوته الظهور النوعي المعوّل عليه في الإنسان المكلّف المنتحل إلى المسلمين وأهل الإيمان بالسيرة القطعيّة المتّصلة بأعصار المعصومين حتّى الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إذ الظاهر فيه سلامة العقائد وصحّتها فيحكم بها ما لم يظهر منه ما ينافي الإسلام بالمعنى الأخصّ ، ولا يسأل بل لا يجب الفحص عن باطنه كما لا يسأل عن باطن الشهود وأئمّة الجماعة والحكّام والفقهاء والمجتهدين وغير ذلك من موارد هذا الشرط.
والعقل أيضا يكفي في ثبوته الظهور النوعي في الإنسان البالغ ، لأنّ ظاهره كمال العقل وعدم قصوره الملحق له بالمجنون ما لم يظهر منه ما يوجب الجنون ، وهذا الظاهر أيضا ممّا يعوّل عليه بالإجماع والسيرة القطعيّة.
وأمّا البلوغ فوقوع أصل الاشتباه في حصوله في المتصدّين للإفتاء والمدّعين لأهليّة الفتوى لأنفسهم قليل لا يتّفق إلاّ في فرض نادر لا يصلح لعقد مسألة علميّة له ، ولو فرض وقوعه أحيانا فيبنى فيه على الأصل وهو أصالة عدم البلوغ ، ولا وارد عليه من الظواهر ، والأصل في مطلق الظنّ فيه لكونه ظنّا في الموضوع عدم الحجّية.
فتمحّض البحث وعقد المسألة لمن شكّ في أهليّته للفتوى باعتبار الشكّ في اجتهاده ، ومرجع البحث إلى أنّه هل يكفي في إحرازه والالتزام بثبوته غلبة الظنّ المستندة إلى ظاهر ككونه متصدّرا ومتصدّيا للإفتاء بمشهد من الناس ومرجعا للعامّة في الاستفتاء ، فإنّ ذلك بنوعه يفيد الظنّ والاطمئنان بكونه من أهل الاجتهاد ، ولا يجب تحصيل العلم به بالسؤال والفحص وإحراز سائر أسباب العلم ، أو لا بل يجب الاقتصار على العلم وما يقوم مقامه كشهادة العدلين؟
فالمحقّق في المعارج وقبله السيّد في الذريعة وبعده المصنّف هنا على اعتبار العلم وعدم كفاية غلبة الظنّ ، والعلاّمة في المبادئ والتهذيب والنهاية وولده فخر الإسلام في شرح المبادئ والسيّد عميد الدين في المنية والشهيدان في الذكرى والمقاصد العليّة والمحقّق الثاني في الجعفريّة ـ كما حكي ـ على عدم اشتراط العلم وكفاية غلبة الظنّ.
__________________
(١) رسالة في العدالة : ٢٨ ( المطبوعة بقم المشرّفة ، سنة ١٤١٩ ه ).