وتحرير هذه المسألة : أنّ مجتهد عصر المقلّد إن اتّحد فلا إشكال في تعيّن تقليده ، وإن تعدّد فإن اتّفقا في الرأي والفتوى فلا إشكال في كون حكمه على التخيير بين تقليد أيّهما شاء ، وإن اختلفا في الرأي فإن تساويا في العلم والمعرفة فلا إشكال أيضا في التخيير ، وإن اختلفا في ذلك أيضا ففي تعيّن الرجوع إلى الأعلم أو التخيير بينه وبين الرجوع إلى غير الأعلم خلاف ، مرجعه إلى الخلاف في اشتراط صحّة التقليد وجوازه بالأعلميّة مع وجود الأعلم وعدمه ، فذهب جماعة كالمحقّق في المعارج والعلاّمة في الإرشاد ونهاية الاصول والتهذيب والسيّد في المنية والشهيد في الدروس والقواعد والمحقّق الثاني في الجعفريّة وجامع المقاصد والشهيد الثاني في التمهيد وولده في المعالم والبهائي في الزبدة والصالح المازندراني في حاشية المعالم والسيّد صاحب الرياض ـ كما حكي عنهم ـ إلى الأوّل ، واختاره المصنّف بل ما عرفت من عبارته يؤذن بدعوى الإجماع عليه ، ويوهمه ما عن التمهيد من قوله : « والحقّ عندنا ذلك ».
وعن المسالك كونه المشهور بين أصحابنا ، وقيل : بالثاني كما عن الحاجبي والعضدي والقاضي أبي بكر وجماعة من الاصوليّين والفقهاء ، واختاره بعض الفضلاء وجماعة ممّن عاصرناهم.
حجّة القول الأوّل بما استدلّ أو يمكن أن يستدلّ به وجوه :
الأوّل : أنّ مناط عمل المقلّد في تقليده كون فتوى المجتهد حكما فعليّا في حقّه يجب عليه بناء العمل عليه والتديّن به ، والقدر المتيقّن المقطوع بكونه حكما فعليّا في حقّه إنّما هو فتوى الأعلم ، لمكان الشكّ في كون فتوى غير الأعلم أيضا حكما فعليّا وعدمه ، والشكّ فيه كاف في الحكم بعدم جواز الأخذ به والتعبّد به.
فإن قلت : إنّ مؤدّيات اجتهاد غير الأعلم ومظنوناته أحكاما فعليّة ولو في حقّ نفسه ممّا لا كلام فيه ، ولذا لا يجوز له تقليد غيره وإن كان أعلم منه ، وقد ذكرت في مسألة كون وجوب التقليد على وجه التعبّد لا من باب الظنّ أنّ كون مؤدّيات اجتهاد المجتهد أحكاما فعليّة نسبة واحدة بينه وبين المقلّد أعني كلّ من وظيفته التقليد ، ولذا يعبّر في كبرى القياس