السابع : طائفة من الأخبار الآمرة بتقديم الأفقه عند الاختلاف في الحكم ، مثل مقبولة عمر بن حنظلة المرويّة في كتب المشائخ الثلاث ، قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث ، فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة ـ إلى أن قال ـ : فإن كان كلّ رجل اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما ، واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم؟ قال : الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ، ولا يلتفت إلى ما حكم به الآخر » حكي الاستدلال بها عن الشهيد الثاني في المسالك ، وكاشف اللثام ، والفاضل المازندراني الشارح للزبدة ، بل عن الأوّل أنّه ذكر في موضعين أنّها نصّ في المدّعى.
وخبر داود بن الحصين عن أبي عبد الله عليهالسلام في رجلين اتّفقا على عدلين جعلاهما بينهما في حكم وقع بينهما فيه خلاف ، فرضيا بالعدلين ، فاختلف العدلان بينهما ، من قول أيّهما يمضي الحكم؟ قال : « ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما فينفذ حكمه ولا يلتفت إلى الآخر ».
وخبر موسى بن اكيل عن أبي عبد الله عليهالسلام عن رجل يكون بينه وبين أخ له منازعة في حقّ فيتّفقان على رجلين يكونان بينهما ، فحكما فاختلفا فيما حكما؟ قال : وكيف يختلفان؟
قلت : حكم كلّ واحد منهما للّذي اختاره الخصمان ، فقال : « ينظر إلى أعدلهما وأفقههما في دين الله فيمضي حكمه ».
والمرويّ عن نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليهالسلام في كتابه إلى مالك الأشتر : « اختر للحكم بين الناس أفضل رعيّتك في نفسك ممّن لا تضيق به الامور ، ولا تمحّكه الخصوم ، ولا يتمادى في الزلّة ، ولا يحصر من الفيء إلى الحقّ إذا عرفه ، ولا تشرف نفسه على طمع ، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه ، وأوقفهم في الشبهات ، وآخذهم بالحجج ، وأقلّهم تبرّما بمراجعة الخصم ، وأصبرهم على تكشّف الامور ، وأصرمهم عند اتّضاح الحقّ ممّن لا يزدهيه إطراء ، ولا يستميله إغراء » إلى آخر ما ذكره عليهالسلام (١).
وقد اورد على التمسّك بهذه الأخبار ولا سيّما المقبولة بأنّها وردت في ترجيح الحكم بمعنى فصل الخصومة بالأفقهيّة ، بقرينة قوله : « بينهما منازعة في دين أو ميراث » وقوله : « يكون بينه وبين أخ له منازعة في حقّ » فلا تتناول الفتوى ، ويمكن الجواب بوجوه :
__________________
(١) نهج البلاغة ، كتاب : ٥٣.