وقضيّة ذلك كون كلّ فرد بانفراده مستقلاّ في موضوعيّته للحكم السلبي المتعلّق بالعسر والحرج ، أعني الضيق والشدّة والمشقّة حيثما تحقّق ، سواء كان تحقّقه لغالب الأفراد أو أغلبها أو نادرها أو أندرها ، وهذا هو معنى إناطة رفع التكليف بالعسر وجودا وعدما ، على أن يكون العسر من باب العلّة الواجب اطّرادها ، ولا ينافيه النبوي المتقدّم « بعثت بالملّة الحنيفيّة السهلة السمحة » ـ بتقريب : أنّ المراد بالملّة هنا الشريعة ، وسهولة أحكام الشرع وسماحتها تقتضي عدم مجعوليّة الحكم الحرجي من أصله ، واللازم من ذلك انتفاء الجعل بالقياس إلى جميع الموارد حتّى الموارد النادرة الّتي لم يلزم من ثبوت الحكم فيها عسر وحرج ـ لتطرّق المنع إلى دلالة السهولة والسماحة على نفي المجعوليّة رأسا ، لجواز أن يراد بهما إفادة انتفاء الحكم عن مورد يلزم من ثبوته فيه العسر والحرج ، سواء كان ذلك هو المورد الغالب أو النادر أو ما بينهما ، وهذا لا ينافي ثبوت مجعوليّته بالذات ولو بالقياس إلى الموارد النادرة الّتي لا يتحقّق فيها عسر ولا حرج.
وعلى تقدير اقتضاء السهولة والسماحة لنفي الجعل فغايته نفي جعله عن خصوص مورد العسر لا مطلقا.
نعم ربّما يستشمّ من كلمات العلماء في كثير من المقامات الّتي يتمسّكون فيها لنفي الحكم الحرجي بتلك القاعدة اعتبار العسر النوعي المنوط بالعسر الغالبي ، ومن جملة ذلك تمسّكهم بلزوم العسر والحرج في نفي وجوب العمل بالاحتياط عند تتميم دليل الانسداد المنتج لحجّية الظنّ ، وتمسّكهم به أيضا لنفي وجوب الاجتناب عن الشبهة الغير المحصورة مع أنّه في كلّ من المقامين إنّما يلزم في غالب الموارد في حقّ غالب الأشخاص ، ولا يلزم في بعض الوقائع بالنسبة إلى غالب الأشخاص ولا في غالب الوقائع بالقياس إلى بعض الأشخاص ، ولا في البعض بالقياس إلى البعض ، وكذلك ما قد يوجد في كلامهم من استنادهم إلى القاعدة في مسألة حلّية جوائز الظلمة ومسألة طهارة الحديد وطهارة المخالفين ومشروعيّة القصر في صلاة المسافر ، إلى غير ذلك ممّا يقف عليه الخبير البصير ، فيدخل في الوهم بملاحظة هذه الموارد إجماعهم على كون المعتبر في نفي العسر والحرج هو العسر النوعي لا الشخصي فينهض ذلك مزاحما لظاهر الآيات.
ولكن يزيّفه : منع كون المنساق من كلماتهم في الموارد المذكورة ونظائرها إجماعهم على ما ذكر ، لجواز كون نفي الحكم في الموارد المذكورة على وجه الاطّراد والسلب الكلّي