بالأعلم وإن كان هو الأعلم المطلق إلاّ أنّ مناط وجوب الرجوع إليه عند تعذّره أو تعسّره مطّرد في الأعلم الإضافي أيضا ، فلا حرج في شيء من الصور.
وأمّا الثاني : أنّ النفي المستفاد من العمومات النافية له مثل قوله عزّ من قائل : ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) وقوله تعالى : ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « بعثت بالملّة الحنيفيّة السهلة السمحة » إنّما يجدي في نفي اعتبار الأعلميّة مطلقا بعد تسليم تأديته إلى العسر والحرج على معنى لزوم العسر الغالبي في حقّ غالب الناس إذا كان العسر المنفيّ بتلك الأدلّة نوعيّا ، بأن يكون تشريع الحكم مؤدّيا إلى العسر في غالب الوقائع على غالب الأشخاص كما هو خيرة بعض الفضلاء صريحا ، حيث قال ـ في مسألة عقد لتحقيق تلك القاعدة بعد ذكر جملة من أدلّتها ـ : « فكلّ حكم يؤدّي إلى العسر والحرج بالنسبة إلى أكثر موارده وأغلب أفراده فهو مرتفع عنّا من أصله حتّى بالنسبة إلى الموارد الّتي لا يترتّب عليه فيها عسر وحرج ، إذ إناطة الحكم حينئذ بصورة تحقّق العسر والحرج مؤدّية أيضا إلى العسر والحرج » انتهى ما أردنا ذكره.
ولعلّه موضع [ منع ] لجواز كونه شخصيّا بأن يلزم من تشريع الحكم عسر في شخص الواقعة على شخص المكلّف ، ولا يكفي لزومه في الغالب على الغالب في ارتفاعه عن الشخص في الشخص وإن لم يتحقّق بالنسبة إليه بالخصوص عسر كما اختاره بعض مشايخنا قدّس الله أرواحهم ، تعليلا بأنّ المستفاد من ظاهر ما هو عمدة أدلّة رفع الحرج إنّما هو إناطة الرفع بالعسر وجودا وعدما على وجه يكون العسر بالنسبة إلى رفع الحكم من باب العلّة الّتي يجب اطّرادها لا الحكمة الّتي لا يضرّ عدم اطّرادها.
أقول : ولعلّ الوجه في دعوى الظهور أنّ العمدة من أدلّة نفي العسر والحرج إنّما هو عموم الآيات الّتي منها ما عرفت ، ومنها قوله تعالى : ( ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ ) في الدين ( مِنْ حَرَجٍ ) والحكم السلبي في هذه الآيات معلّق على ضمير الجمع وهو على ما حقّق في محلّه من صيغ العموم ، وهي بحسب الوضع اللغوي أو الانفهام العرفي يفيد العموم الأفرادي لا المجموعي ، فمفاد قوله : ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) نفي الحكم الحرجي عن كلّ واحد على طريقة السلب الكلّي على حدّ قوله : ( لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ) وقوله : ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) إرادة اليسر بكلّ واحد وعدم إرادة العسر بكلّ واحد أيضا من باب السلب الكلّي أيضا.