وثانيا : أنّ مرجع القول باعتبار الأعلميّة إلى ترجيح أعلم المجتهدين على غيره ، على أنّ الأعلميّة من قبيل المانع فيؤثّر في منع تقليد غير الأعلم في صورة العلم بوجود الأعلم ، وأمّا صورة الشكّ فيكفي في الحكم بجواز تقليد كلّ مجتهد مجرّد عدم العلم بوجوده.
غاية الأمر مسيس الحاجة إلى التمسّك بأصالة عدم حدوث الأعلميّة ، لا على أنّها من قبيل الشرط الّذي لو لا إحرازه في موضوع الشكّ لم يجز تقليد أحد كأصل الاجتهاد ليؤدّي وجوب إحرازها إلى العسر والحرج.
وثالثا : أنّها على تقدير كونها من قبيل الشرط فالعسر اللازم من إحرازها على فرض تسليمه إنّما يلزم لو وجب إحرازها بطريق العلم لا مطلقا حتّى على تقدير الاكتفاء فيه بالظنّ المطلق ، فنفيه إنّما ينتج نفي اعتبار العلم في إحرازها لا نفي اعتبارها رأسا ، فيجوز الاكتفاء في إحرازها بالظنّ مطلقا كما لعلّه الأظهر ، بناء على الفرق بينها وبين أصل الاجتهاد بلزوم العلم أو ما يقوم مقامه في الثاني وكفاية الظنّ في الأوّل كما سنقرّره.
وإن اريد به ما يتضمّنه تشخيص الأعلم عن غيره ، أعني معرفة شخصه بعد العلم بوجوده إجمالا والجهل بشخصه من باب العلم بحدوث الأعلميّة والشكّ في الحادث ، بتقريب : أنّ الغالب في العلماء والمجتهدين تفاوت مراتبهم قوّة وضعفا فيعسر تشخيص الأعلم عن غيره مع كون المعتبر منه الأعلم المطلق لا مطلق الأعلم حتّى الإضافي منه ، لأنّه كلّما علم في مجتهد كونه أعلم من غيره فيحتمل وجود مجتهد ثالث أعلم من هذا الأعلم وهكذا ، ومرجعه إلى عسر العلم بالأعلم المطلق الّذي هو أعلم الكلّ.
ففيه : أنّ الأعلم يعرف حينئذ بالرجوع إلى أهل الخبرة أيضا من دون عسر خصوصا مع البناء على كفاية مطلق الظنّ فيه ، ومع اختلاف أهل [ الخبرة ] يتبع أقوى الظنّين.
وإن اريد به ما يتضمّنه الرجوع إلى الأعلم بعد معرفته والأخذ بفتاويه ، بتقريب : أنّه لا يتيسّر لكلّ أحد حتّى البلدان النائية.
ففيه : أنّ الرجوع إلى الأعلم وكذلك تشخيصه عند القائلين بوجوبه يتقدّر بقدر الإمكان الغير البالغ حدّ العسر والحرج ، فإن اقتدر المكلّف على الأخذ بفتاوى الأعلم المطلق بلا واسطة أو بواسطة رواية العدول عنه أو بواسطة رسائله من غير عسر ـ كما هو الغالب بعد فتح باب قبول الرواية وعدم اعتبار المشافهة ، أو فتح باب تأليف الرسائل وحملها إلى البلدان النائية ـ تعيّن ذلك ، وإلاّ وجب الرجوع إليه مع مراعاة الأعلم فالأعلم ، بناء على أنّ المراد