بقول كلّ فقيه جامع لشرائط الإفتاء من دون مراعاة الأعلميّة مع غلبة تفاوت مراتب الفهم والفضل في طائفة الفقهاء والمجتهدين والرواة والمحدّثين ، ولم ينقل من الأئمّة عليهمالسلام ولا الصحابة ولا التابعين الإنكار عليهم.
والجواب : منع تحقّق السيرة على وجه تكشف عن رأي المعصوم ورضاه بالرجوع إلى المفضول مع وجود الأفضل في صورة العلم بالمخالفة لا في زمن الأئمّة ، ولا في الأزمنة المتأخّرة إلى زماننا.
هذا ، أمّا في الأوّل : فلأنّ مخالفة أصحاب النبيّ والأئمّة بعضهم بعضا في المسائل على تقدير تسليم وجودها كانت نادرة ، والعلم بها مع ذلك كان أندر ، فلم يثبت ثمّة رجوع المقلّدين منهم إلى المفضولين في صورة المخالفة مع العلم بها.
وأمّا في الثاني : فلأنّ المقلّدين في الأزمنة المتأخّرة على أنحاء ، منهم من يتحرّى في طلب الأعلم تقليدا لمجتهد أوجب تقليد الأعلم ، ومنهم من يتحرّى في طلبه احتياطا لغاية تقواه وورعه في الدين ، ومنهم من يأخذ من غير الأعلم تقليدا لمجتهد لم يوجب تقليد الأعلم ، ومنهم من يأخذ من كلّ مجتهد من دون مراعاة الأعلم لتسامحه وقلّة مبالاته في الدين ، فأيّ سيرة مع ذلك يتمسّك بها لنفي اعتبار الأعلميّة؟
وسادسها : لزوم العسر والحرج في الاقتصار على تقليد الأفضل ، سيّما إذا اريد به من كان أفضل أهل عصر المقلّد لا خصوص أفضل بلده كما لعلّه الظاهر من كلام المانعين من تقليد المفضول مع وجوب الأفضل.
ويمكن المناقشة فيه تارة : بمنع الصغرى ، واخرى : بمنع الكبرى.
أمّا الأوّل : فلأنّ العسر المتوهّم لزومه من وجوب الاقتصار على تقليد الأعلم إن اريد به ما يتضمّنه إحراز الأعلميّة بتقريب : أنّها من الامور الباطنيّة والصفات النفسيّة فيعسر الاطّلاع عليها على تقدير الشكّ في وجود الأعلم من باب الشكّ في حدوث الأعلميّة لبعض المجتهدين.
ففيه أوّلا : أنّ أعلميّة المجتهد ليست إلاّ كاجتهاده ، وكما أنّ اجتهاده ممّا يمكن إحرازه من دون عسر وحرج فكذلك أعلميّته بعد الفراغ عن إحراز اجتهاده ، وحلّه : أنّ الأعلميّة كالاجتهاد موضوع من الموضوعات الخارجيّة المعروفة يمكن إحرازها بالرجوع إلى أهل الخبرة وغيره.