الأطبّاء ، ومرجعيّة المفضول منهم لوجود المقتضي فيه لا ينافيها عدم الرجوع إليه لمانع وهو وجود الأفضل.
هذا مضافا إلى منع اندراج موضوع المسألة في تلك الإطلاقات المفروض تناولها للأعلم وغير الأعلم ـ على تقدير تسليمه ـ من جهة اخرى ، وذلك لأنّ موضوع المسألة المتنازع فيه إنّما هو المجتهدان المتفاضلان المختلفان في الرأي ، فيعتبر فيه مع التفاوت في الفضل اختلافهما في الرأي ، والآيات المذكورة مع الأخبار من الخطابات الشفاهيّة فيكون بحسب المورد مخصوصة بالموجودين في زمن الخطاب في أصحاب الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة ، وتفاوت مراتبهم في الفضل والأعلميّة وإن كان بمقتضى العادة معلوما ، إلاّ أنّ اختلافهم في الآراء والمسائل غير معلوم إن لم نقل بمعلوميّة خلافه ، ولا أقلّ من دعوى غلبة الموافقة فيكون المطلقات واردة مورد الغالب فلا تنصرف إلى النادر ، فعلى المستدلّ بإطلاقها أو عمومها إثبات المخالفة أوّلا ، ومنع غلبة الموافقة ثانيا ، وأنّى له بذلك؟
وثالثها : لو لم يكن المفضول قابلا للتقليد لزم مساواة العالم للجاهل ، واللازم باطل لآية نفي المساواة (١) فكذا الملزوم ، وبيان الملازمة : أنّ العامي غير قابل للتقليد إجماعا ، والمفروض مشاركة العالم المفضول معه في ذلك ، فيلزم ما ذكر.
وفيه مع إمكان قلبه بما يكون نتيجته لزوم تقليد الأعلم كما تقدّم بيانه في حجج القول به ما عرفت من وجوه الفساد ثمّة.
ورابعها : ما أشار إليه بعض الفضلاء من أنّه : « لو لا جواز تقليد المفضول لم يجز لمعاصري الأئمّة عليهمالسلام أخذ المسائل من فضلاء أصحابهم مع حضورهم ، لكونهم أفضل من أصحابهم بمراتب شتّى ، واللازم باطل فكذا الملزوم ».
والجواب : منع الملازمة ، لعدم العلم بمخالفة أصحاب الأئمّة لهم في الفتاوى ، بل المعلوم خلافه ، مع أنّ العلم بمخالفة الإمام يوجب القطع ببطلان الفتوى رأسا ، ولم يعهد من أحد تجويز التقليد مع العلم ببطلان الفتوى ، بل هذا غير جائز إجماعا ولو مع أفضليّة المفتي.
وخامسها : السيرة المستمرّة بين أهل التقليد من السلف إلى زماننا هذا ، لوضوح أنّ عوام كلّ عصر في كلّ مصر من يومنا إلى زمن الأئمّة عليهمالسلام لم يكونوا ملتزمين بطالب الأعلم ، ولا مسافرين إلى أطراف البلاد وجوانبها في تحصيل الأفضل ، بل كانوا آخذين
__________________
(١) وهي قوله تعالى : « هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ».