إطلاق كلامهم في بعض المقامات عدم اشتراط ذلك. »
أقول : إطلاق كلامهم في بعض المقامات بل كثير منها كما ذكره إن لم يخدشه كون إطلاق كلامهم في المقامات المذكورة واردا لبيان مرجعيّة الحاكم وهو من له ولاية الحكومة في الامور الّتي لا ولاية لغير الحاكم فيها ، وأمّا كون المراد من الحاكم بالمعنى المذكور مطلق الفقيه فالإطلاق ساكت عنه ، ويمكن التعدّي من ثبوت ولاية القضاء إلى سائر الولايات على المختار بطريق الفحوى.
وربّما علّل الثبوت بأنّ الحكمة الباعثة على جعل هذه الولايات إنّما هي صيانة الأموال والأنفس عن الضياع والتلف والهلاك ، وإيصال الحقوق إلى أربابها ودفع الخلل والفساد عن النظام ، ويكفي في مباشرتها الديانة والأمانة ، وأمّا زيادة العلم أو أقوائيّة ملكة الاستنباط فممّا لا عبرة بها ولا مدخليّة لها في حصول هذا الغرض ، بل لولا الإجماع على عدم جواز مباشرة ذلك مع وجود الفقيه مع إمكان الوصول إليه لأمكن المناقشة في اعتبار أصل العلم ، فيجوز لكلّ مؤمن عدل مباشرة هذه الامور تحصيلا للحكمة المذكورة ، كما يوهمه إطلاق بعض النصوص كصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع الآتية في قصّة عبد الحميد.
وكيف كان فتحقيق المقام : أنّه لا ينبغي التأمّل في أنّ الأصل الأوّلي عدم ولاية أحد على أحد في نفس ولا مال ، لكون الولاية بمعنى السلطنة على مال الغير ونفسه حكما مخالفا للأصل ، إلاّ أنّه خرج من ذلك الأصل النبيّ والوصيّ بعده بالإجماع بل الضرورة وغيرها من الأدلّة الدالّة على عموم ولايتهما على الأموال والأنفس كتابا وسنّة ، قال الله تعالى : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) و ( ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) و ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) وقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في يوم الغدير : « ألست بأولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : بلى ، قال : من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه » وفي رواية أيّوب بن عطيّة عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه » إلى غير ذلك ممّا لا حاجة إلى الإطناب بذكره.
ثمّ الأصل بعد خروج النبيّ والوصيّ أيضا عدم ولاية أحد غيرهما على غيره مالا ونفسا ، إلاّ أنّه خرج منه الفقيه الجامع للشرائط بالقياس إلى موارد مخصوصة لثبوت ولايته