وأمّا في الاصطلاح *
__________________
الأعلام وبعده بعض الفضلاء ، وهذا منهم كما ترى يخالف ما في كلام الأكثرين من أخذه لغة بمعنى بذل الوسع والطاقة أو ما يرادفه ، وكأنّه منهم انكار لورود هذه المادّة مطلقا لغير المشقّة ، أو إنكار لبناء هذه الهيئة عمّا هو للوسع والطاقة ، ولو لا أحد هذين الوجهين لتوجّه إليهم عدم الوجه في العدول عن اعتبار كون نقل هذا اللفظ إلى ما يأتي من المعنى المصطلح عليه من باب نقل العامّ إلى الخاصّ ـ كما هو قضيّة ما صنعه الأكثرون ـ إلى اعتبار كونه نقلا من اللازم إلى ملزومه ـ كما هو مقتضى تفسيرهم المذكور ـ مع كون الأوّل أولى في نظر الاعتبار ، لغلبة هذا النقل بحسب الخارج ، وكون العموم والخصوص من أظهر المناسبات وأقواها.
وتحقيق الحال : أنّ الإقدام على ما فيه مشقّة كحمل الثقيل تحمّل للمشقّة وإعمال للوسع والطاقة ، ولا إشكال في أنّ لفظ « الاجتهاد » باعتبار الوضع اللغوي على ما يشهد به الأمارات القويّة والاستعمالات الواردة في الكتاب والسنّة وغيرهما مختصّ بموارد المشقّة ، كما نصّ عليه غير واحد من الطائفة.
وإنّما الإشكال في أنّ المأخوذ في وضعه هل هو أوّل المفهومين ليكون الثاني من لوازمه ، أو ثانيهما مقيّدا بما فيه مشقّة لا مطلقا؟ غير أنّه لوقيل بالأوّل لسلم الوضع عن اعتبار التقييد في مسمّى اللفظ الّذي ينفيه الأصل ، مع إمكان منع ورود هذه المادّة لغير المشقّة على وجه الحقيقة ، والاستعمالات الواردة في الكتاب والسنّة وغيرهما متّفقة في إرادة المشقّة كما يظهر للمتتبّع ، ولا ينافيها ورود الاستعمال على ندرة في غيرها ، كما في قوله تعالى : ( لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ )(١) أي وسعهم على ما في المجمع (٢) ، لتوسعة باب التوسّع الّذي يعضده الندرة ، ولو سلّم الوضع في المادّة مطلقة أو مضمومة فبناء الهيئة عنها بهذا المعنى في حيّز المنع.
* واعلم أنّ له في اصطلاح المتشرّعة أو أرباب العلوم الشرعيّة أو الفقهاء والاصوليّين أو خصوص الفقهاء إطلاقات كثيرة ، فقد يطلق ويراد منه النظر في معرفة الأحكام الشرعيّة ـ ولو اصوليّة ـ بطريق الاستدلال ، ومنه قولهم : يجب الاجتهاد في اصول الدين ولا يكفي فيه التقليد.
وقد يطلق ويراد منه صرف النظر في معرفة الأحكام الفرعيّة الواقعيّة عن أدلّتها علميّة
__________________
(١) التوبة : ٧٩.
(٢) مجمع البحرين : مادّة « جهد ».