كان مخيّرا في اتّباع من شاء فكذا في كلّ المسائل لعدم الفرق بينهما.
وعليه مبنى ما استدلّ به أيضا من أنّ علماء الأمصار في كلّ عصر لم يوجبوا على من استفتاهم في حكم الرجوع إليهم في جميع الأحكام.
وأمّا الثاني : فلأنّ المانع إن كان هو الجمع بين تقليدي المجتهدين على وجه التوزيع باعتبار ذاته فهو غير صحيح ، إذ لا يعقل مانعيّة لذلك.
وإن كان هو الجمع المذكور باعتبار لازمه وهو بطلان الأعمال الواقعة على طبق التقليدين عند المجتهدين ، لأنّ صحّتها في كلّ من العبادات والمعاملات عند كلّ مجتهد منوطة بموافقة ما ظنّه ورأيه في جميع مسائل كلّ عمل ، فلا بدّ في إحراز صحّة كلّ عمل عند كلّ مجتهد من مراعاة تلك الموافقة ، والجمع بين تقليديهما الّذي هو التبعيض يوجب مخالفة كلّ عمل لرأي كلّ مجتهد في بعض مسائله ، وهو يوجب بطلان الكلّ عند كلّ ، فهما متّفقان على بطلان الأعمال كلّها ، وقضيّة ذلك هو المنع من التبعيض.
ففيه : النقض بما لو رجع المقلّد في جميع المسائل إلى مجتهد ثالث يوافق أحد المجتهدين في بعض المسائل وللآخر في البعض الباقي ، فإنّ قضيّة ما ذكر بطلان أعماله عند كلّ منهما ولم يقل به أحد.
والحلّ : أنّ البطلان الّذي يظنّ كلّ مجتهد في العمل المخالف لرأيه في جميع المسائل أو بعضها ليس هو البطلان الواقعي ، بل هو عبارة عن البطلان الظاهري بالقياس إلى نفسه وإلى من يقلّده ، بمعنى أنّه لو أتى بالعمل المخالف لرأيه كان باطلا وكذلك مقلّده ، وهو لا تنافي الصحّة الظاهريّة بالنسبة إلى مجتهد آخر ومقلّده.
والسرّ فيه : أنّ ما ظنّه كلّ مجتهد حكم ظاهري في حقّه وحقّ مقلّديه ، والموافقة للحكم الظاهري لا يقتضي إلاّ الصحّة الظاهريّة ، فالعمل الموافق لرأي كلّ مجتهد صحيح عنده في الظاهر بحسب ظنّه ولذا جاز لكلّ مجتهد تجويز تقليد غيره.
وقضيّة ذلك اتّفاق المجتهدين على الصحّة الظاهريّة في العمل الموافق لرأي أحدهما في بعض المسائل ولرأي صاحبه في البعض الآخر لموافقته الحكم الظاهري في كلّ مسألة ، إذا المفروض عدم ارتباط الأحكام الظاهريّة بعضها ببعض حتّى يعتبر في إحراز الصحّة الظاهريّة في نظر كلّ مجتهد موافقة رأيه في الجميع.
ثمّ إنّه يشترط في جواز التبعيض امور :