وثانيها : أنّه لو لم يجز تقليد الميّت لما أجمعوا على النقل من السلف وعلى وضع الكتب ، بيان الملازمة : أنّه لا فائدة في هذين إلاّ العمل بأقوال السلف والاعتماد عليها في العبادات والمعاملات ، وليس هذا إلاّ تقليدا.
وفيه من الضعف ما لا يخفى ، ويكفي في بطلانه أنّه يستلزم كون جواز تقليد الميّت إجماعيّا وهو كما ترى ، ويقتضي كون الفقهاء والمجتهدين مقلّدين إذ لا يرجع إلى أقوال السلف وكتبهم إلاّ الفقهاء والمجتهدين وهو أيضا كما ترى.
والحلّ : أنّ الرجوع إلى أقوال السلف وكتبهم ليس لتقليدهم والعمل بأقوالهم تعبّدا ، بل للاستعانة على فهم مدرك المسألة ولمّها ، والاحاطة بأطرافها ، ومعرفة الإجماع والخلاف أو الشهرة والندرة ، أو غير ذلك من الفوائد كمعرفة طريقة الاجتهاد وترجيحات الفقهاء وكيفيّة بناء الأدلّة بعضها على بعض ، ومعرفة الجرح والتعديل والتقيّة وعدمها ، والشاذّ النادر والاصطلاحات.
بل عن العلاّمة البهبهاني : « أنّه لا يمكن الاجتهاد إلاّ بملاحظة كتب السلف ، ولا يكون واقعا في الأزمنة الواقعة بعد الغيبة إلاّ بذلك » بل عنه : « أنّ كتبهم ينتفع المتعلّمين أيضا إذ لولاها لما أمكنهم الدرس والتعلّم » انتهى.
ثالثها : أنّه لو لم يجز تقليد الميّت لزم العسر والحرج ، لخلوّ كثير من الأمكنة والأزمنة عن المجتهد الحيّ أو عن إمكان التوصّل إليه.
وفيه أوّلا : منع الملازمة ، فإنّا لم نسمع من لدن بناء التقليد أنّه لزم من منع تقليد الموتى وسدّ بابه العسر والحرج.
وثانيا : أنّ جواز تقليد الميّت على تقدير تسليم العسر يتقدّر بقدر لزومه ، ولا يلزم بذلك فتح باب تقليد الميّت بقول مطلق ، والأصل فيه ما مرّ تحقيقه من كون نفيه حسبما ينساق من أدلّته شخصيّا.
ورابعها : أنّ قول المجتهد الميّت يفيد الظنّ ، فيجب العمل به لعموم ما دلّ على حجّية الظنّ.
وهذا أضعف من سابقيه ، لمنع كون قول الميّت في جميع أحواله وفي جميع الموارد مفيدا للظنّ ، إلاّ أن يراد كونه قد يفيد الظنّ فيعارضه أنّ قول الحيّ أيضا قد يفيد الظنّ ، فوجب إناطة أمر التقليد بما يفيد الظنّ حيّا كان أو ميّتا لا فتح باب تقليد الميّت مطلقا ، مع