السيّد : « الظاهر أنّه يلزمه الحكم بفساد ما فعل بالاجتهاد الأوّل ، والظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب ».
أقول : وهو كذلك ، بل الحكم بالفساد الّذي هو عبارة عن نقض الآثار الشرعيّة ممّا لا ينبغي الاسترابة فيه ، ضرورة أنّ الآثار إنّما تترتّب على العقد أو الإيقاع الصحيحين لا على ما انكشف فساده ومخالفته الواقع.
والسرّ فيه : أنّ الصحّة بمعنى ترتّب الأثر في عقد أو إيقاع إنّما هو من مقتضى ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) و ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) وغير ذلك من عمومات أدلّة العقود والإيقاعات ، وهو إنّما يعقل في عقد أو إيقاع علم اندراجه في عموم تلك الأدلّة ، والرجوع عن الفتوى معناه انكشاف عدم اندراج الموارد المنطبقة عليها تحت الأدلّة ، خصوصا لو كان ذلك لخروجه الموضوعي كما في المعاطاة مثلا لو رجع عن القول بصحّتها بيعا إلى الفساد وعدم البيعيّة ، ومعه كيف يعقل ترتيب الآثار الشرعيّة بعد الرجوع؟
الثانية : ما لم يكن الرجوع على سبيل القطع ، لوصوله في الاجتهاد الثاني إلى أمارة ظنّية ولكن اتّصل بالوقائع السابقة المنطبقة عليها حكم من حاكم شرعي ، كما لو ترافع المتعاقدان أو غيرهما لوقوع الاختلاف في الصحّة وعدمها في الأمثلة المتقدّمة إليه فحكم بالصحّة لموافقته في الرأي لذلك المجتهد الّذي اتّفق له الرجوع.
وحينئذ فعن النهاية والتهذيب والمنية والمختصر وشرحه للعضدي وشرح المبادئ التصريح بالاستمرار على ما فعل وترتيب الآثار عليه وعدم جواز نقضه.
وعن النهاية التصريح بعدم الفرق فيما لو كان صاحب الواقعة هو المقلّد بين ما لو كان الحاكم هو المجتهد المتغيّر رأيه أو غيره.
وعن النهاية والتهذيب والمنية وغيرها التعليل بأنّ حكم الحاكم لمّا اتّصل بالنكاح فيما لو نكح امرأة خالعها ثلاثا لبنائه أوّلا على أنّ الخلع فسخ لاطلاق ، ثمّ تغيّر اجتهاده فبنى على أنّه طلاق بعد لحوق حكم الحاكم بصحّة النكاح تأكّد ذلك النكاح فلا يفسد بتغيّر الاجتهاد.
وعن النهاية أنّه زاد عليه محافظة على حكم الحاكم مصلحته ، وتنظّر في المنية في الأوّل بقوله : « وفي هذا نظر ، لأنّ حكم الحاكم لا يغيّر الشيء عمّا هو عليه ، فإن كان الحلّ ثابتا في نفسه لم يؤثّر فيه حكم القاضي ، وإن كان منتفيا لم يثبت بحكم الحاكم ».