هذا فيما لو كان صاحب الواقعة هو المجتهد المتغيّر رأيه ، وأمّا لو كان غيره ممّن قلّده فجزم فيه بعدم النقض قائلا : « بخلاف قضاء القاضي فإنّه متى اتّصل بحكم المجتهد فيه استقرّ ولا يجوز نقضه ما لم يكن منافيا لمقتضى دليل قطعي كالنصّ أو إجماع أو قياس جليّ ـ وهو ما نصّ الشارع فيه على الحكم وعلى علّته نصّا قاطعا وتثبت تلك العلّة في الفرع قطعا ـ فإنّه حينئذ ينقض لظهور خطائه قطعا ، أمّا لو تغيّر الاجتهاد المتأيّد بالحكم والقضاء بالاجتهاد الطارئ عليه فإنّه لا يؤثّر ولا ينقض به الحكم ، إذ لو جاز للحاكم نقض حكم نفسه أو حكم غيره بمجرّد تغيّر اجتهاده المفيد للظنّ لجاز نقض النقض عند تغيّر الاجتهاد مرّة اخرى وهكذا إلى غير النهاية ، وهذا يفضي إلى عدم الوثوق بحكم الحاكم وعدم استقراره ، وهو خلاف المصلحة الّتي ينصب الحاكم لأجلها » انتهى.
وحيث إنّ نقض الفتوى في الصورة المفروضة يندرج في صور نقض الحكم كما يظهر من التعليلات المذكورة فالمنع منه لو كان إنّما هو لجهة راجعة إلى نقض الحكم ، فتحقيق الحال فيه يعلم من ملاحظة حكم نقض الحكم وصوره ، ولعلّنا نتكلّم فيه فيما بعد.
الثالثة : ما لو لم يتّصل بالواقعة حكم حاكم ، فالمصرّح به في كلام جماعة وجوب النقض وعدم جواز الاستمرار على ما فعل ، ولعلّه المشهور بل لم يظهر خلاف فيه بالنسبة إلى المجتهد نفسه ، بل في المنية كما عن النهاية دعوى الاتّفاق عليه.
نعم في محكيّ النهاية نقل الاختلاف في المقلّد وإن اختار هو فيه وفي التهذيب ـ كما في المنية وعن المختصر وشرحه والإحكام ـ وجوب النقض وعدم جواز الاستمرار ، وتنظر فيه السيّد في المفاتيح (١) لمخالفته استصحاب الصحّة واستلزامه الحرج العظيم والمشقّة الشديدة غالبا.
ثمّ قال ـ بعد ما أمر بالتأمّل ـ : « فالقول بصحّة الاستمرار على ما فعل بتقليد الاجتهاد الأوّل في المعاملات في غاية القوّة » (٢).
أقول : الأقوى بل الحقّ الّذي لا محيص عنه في حقّ كلّ من المجتهد والمقلّد هو وجوب النقض وعدم جواز الاستمرار لوجوه :
منها : الأصل ، إذ بعد تغيّر الاجتهاد والرجوع عن الفتوى الاولى يشكّ في ترتّب الآثار الشرعيّة على ما وقع من عقد أو إيقاع من حين وقوعه وعدمه ، والأصل ـ بمعنى استصحاب
__________________
(١ و ٢) مفاتيح الاصول : ٥٨٢.