الأدلّة وإطلاقها ، وأمّا ما ظهر له عدم اندراجه أو شكّ في اندراجه فيهما فهو باق تحت الأصل الأوّلي ، ومرجعه إلى عدم انقلاب الأصل الأوّلي بالنسبة إليه ، والأمارة المعمول بها في الاجتهاد الثاني الباعثة على
الرجوع الدالّة على اشتراط الصيغة في البيع والعربيّة في العقد والولاية للأب على الباكرة الرشيدة ونشر الحرمة بعشر رضعات قاضية بخروج العقود الخالية عن تلك الشروط من الأصل الثانوي ، وموجبة للعلم الشرعي بعدم اندراجها في أدلّة ذلك الأصل.
وإن شئت فقس المقام على ما لو اطّلع المجتهد على نحو الأمارة المذكورة في ابتداء اجتهاده ، فكما أنّه لانكشاف عدم اندراج العقود الخالية عن الشروط المستفادة من الأمارة المذكورة في أدلّة الصحّة وخروجها منها من باب التخصيص أو التخصّص يبني على فسادها ولا يرتّب عليها شيئا من الآثار الشرعيّة بل ولا يجوز له ترتيبها ، فكذلك فيما لو اطّلع عليها في الاجتهاد الثاني على وجه أوجبت رجوعه عن مؤدّى الاجتهاد الأوّل ، وما سبقه من اعتقاد الاندراج لا يغيّر الموضوع الواقعي عمّا هو عليه من عدم اندراجه في نفس الأمر في أدلّة الصحّة بحيث يجعله مندرجا فيها في نفس الأمر.
ومع ذلك كلّه كيف يقال في الوقائع السابقة بأنّه يجب الوفاء بها؟ ومقتضاه بقاء الآثار المترتّبة عليها على حالها.
هذا كلّه في المجتهد واضح ، وأمّا المقلّد على تقدير اختياره العدول من تقليد ذلك المجتهد في فتواه إلى تقليده في فتواه الثانية ففي حقّه وإن كان يمكن القول بعدم النقض ، نظرا إلى أنّ دليله على ترتيب الآثار ليس نحو ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )(١) وغيره من أدلّة الصحّة الّتي ينظر فيها المجتهد ، بل دليله إنّما هو فتوى مجتهده والمفروض أنّه أخذ بموجبها في الوقائع السابقة ، ولا يقدح فيه طروّ الرجوع للمجتهد ، لأنّه إنّما يثمر بالنسبة إلى الوقائع اللاحقة وأمّا الوقائع السابقة فلا دليل على حجّية الفتوى اللاحقة فيها.
ولكن يدفعه : أنّ الفتوى ليست بنفسها دليلا للمقلّد بأن يكون اعتبارها في حقّه على وجه الموضوعيّة ، بل باعتبار كونها إخبارا عن حكم الله الفعلي على حسب تأدية الاجتهاد إليه ، فدليل المقلّد في الحقيقة على الحكم الفعلي إنّما هو دليل المجتهد بعينه ، فالمجتهد ومقلّده في وجوب الأخذ بمؤدّى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )(٢) وغيره من أدلّة الصحّة في تصحيح
__________________
(١ و ٢) المائدة : ١.