العقود والإيقاعات على شرع سواء من غير فرق بينهما ، غير أنّ المقلّد لعجزه عن فهم الدليل وإدراك حقيقة المراد منه واستنباط الحكم الّذي من شأنه أن يستنبط منه ينوب عنه المجتهد ، فهو مخاطب بالأخذ بمؤدّى الأدلّة على حسب فهمه وبقدر طاقته أصالة عن نفسه ونيابة عن مقلّديه ، ثمّ يبلّغه إليهم بصورة الإفتاء فيجب عليهم الأخذ بهذا الفهم الّذي هو اعتقاد المجتهد وتطبيق العمل عليه ، وحينئذ فيجري في حقّهم بالنسبة إلى نقض الآثار ما يجري في حقّ المجتهد.
ومحصّله : أنّ المجتهد إذا رجع عن مؤدّى اجتهاده السابق لا يبقى للمقلّد أيضا ما يقتضي وجوب الوفاء بما صدر منه من العقود والإيقاعات.
وأمّا القول بعدم النقض مطلقا أو في حقّ المقلّد وحده فليس له إلاّ الاستصحاب ولزوم الحرج العظيم والمشقّة الشديدة ، وجريان السيرة وارتفاع الوثوق ولزوم الهرج والمرج ، ولقد عرفت الجواب عن الاستصحاب هنا وذكرنا الجواب عن الكلّ في مسألة الإجزاء بما لا مزيد عليه ، وملخّصه : أنّ الاستصحاب لسريان شكّه غير صحيح ، ونفي الحرج لكونه شخصيّا يقتصر فيه على مورده مع ندوره ، والسيرة لندرة اتّفاق تغيّر الاجتهاد في محلّ المسألة غير معلومة ، والأخيران لكونهما من الوجوه الاعتباريّة لا ينهضان دليلين على تأسيس الحكم الشرعي المخالف للأصل والقاعدة المستفادة من الأدلّة المتقدّمة ، فليتدبّر.
ومن الفضلاء من يظهر منه بالنسبة إلى المقامين معا تفصيل ، مرجعه إلى الفرق بين العبادات والمعاملات من العقود والإيقاعات فلا ينقض الفتوى في الوقائع السابقة على الرجوع وبين الأحكام فتنقض ، حيث قال : « إذا رجع المجتهد عن الفتوى انتقضت في حقّه بالنسبة إلى مواردها المتأخّرة عن زمن الرجوع قطعا وهو موضع وفاق » ـ إلى أن قال ـ :
وأمّا بالنسبة إلى مواردها الخاصّة الّتي بنى فيها قبل رجوعه عليها فإن قطع ببطلانها واقعا فالظاهر وجوب التعويل على مقتضى قطعه فيها بعد الرجوع عملا بإطلاق ما دلّ على ثبوت الحكم المقطوع به ، فإنّ الأحكام لاحقه لمواردها الواقعيّة لا الاعتقاديّة فيترتّب عليه آثاره الوضعيّة ما لم تكن مشروطة بالعلم » إلى أن قال :
« وكذا لو قطع ببطلان دليله واقعا وإن لم يقطع ببطلان نفس الحكم ، كما لو زعم حجّية القياس فأفتى بمقتضاه ثمّ قطع ببطلانه ، لقطعه بأنّ حكمه الواقعي حال الإفتاء لم يكن ذلك » إلى أن قال :