وهل هذا إلاّ نظير ما لو اقيم البرهان على أن لزيد علما بقيام عمرو وهو يجد من نفسه أنّه لا علم له ، فإنّ عدم انفتاح باب العلم بالأحكام في الغالب من ضروريّات الوجدان والمدّعي لانفتاحه يكابر وجدانه ، وسنورد زيادة بيان في ذلك.
ومع الغضّ عن ذلك نقول : إنّا لا نعقل إلى العلم بالأحكام قاطبة سبيلا إلاّ الإمام المعصوم وحضوره مع تمكّنه من التصرّف ، والمفروض أنّه غير حاضر ، فالدليل المذكور يكذّبه الفرض ، ولو سلّم أنّ إلى العلم بها سبيلا آخر غير الإمام وحضوره ، لكن الدليل لا يقتضي إلاّ انتصاب أحد الأمرين ، والمفروض أنّ الإمام قبل الغيبة كان منتصبا فقد تمّ به اللطف ، واختفاؤه بعد ذلك لدواع خارجيّة لا ترجع إلى الله سبحانه لا يوجب إخلالا باللطف ، والمنع من تحقّق الدواعي الخارجيّة ليس بلازم بمقتضى ما أخذ في اللطف الواجب من عدم انتهائه إلى الإلجاء.
ومع هذا كلّه نقول : إنّ اللطف إنّما يجب مع عدم مصلحة تقتضي خلافه ، فلم يثبت وجوبه مطلقا كما في عدم ظهور الإمام عليهالسلام مع أنّه من أظهر الألطاف الواجبة.
ومن الجائز بالقياس إلى الأدلّة العلميّة قيام مصلحة تقتضي عدم فتح بابها ، مع أنّه قد يقال : إنّ عدم إلزام المكلّفين بتحصيل اليقين في خصوصيّات التكاليف هو اللطف ، لما في إناطة التكليف بخصوص العلم بالأحكام من الجرح التامّ المؤدّي في كثير من الطباع إلى التقاعد عن الامتثال ، ولذا اكتفى الشارع في زمانه من المكلّفين بالأخذ بعدّة من الطرق الغير العلميّة مع انفتاح سبيل العلم.
وقد يقال أيضا : بأنّ الظنّ والعلم مشتركان فيما ذكر من كون اليقين أدعى إلى الامتثال ، لأنّ المفروض أنّ الظنّ ما لم يكن منتهيا إلى اليقين لم يعتبر عند أحد ، فالمكلّف في مقام العمل عالم بالتكليف قاطع به.
ومنها : ما عن بعض المحدّثين : من أنّ المتقدّمين من علمائنا لا يقولون بجواز الاجتهاد والتقليد ، ولا يجيزون العمل بغير الكتاب والسنّة من وجوه الاستنباط الظنّية.
ومن المعلوم أنّ طريقة المتقدّمين هي الموافقة للأئمّة ولأحاديثهم المتواترة ، فإن شذّ منهم شاذّ أحيانا أنكر عليه الأئمّة إن كان في حضورهم ، وفي هذه الطريقة مبائنة لطريقة العامّة مبائنة كلّية ، وطريقة المتأخّرين موافقة لهم لا تخالفهم إلاّ نادرا ، ثمّ قال :
وبالجملة فعدم جواز الاجتهاد في نفس الأحكام الشرعيّة وعدم جواز العمل بالاستنباطات