العامّين من وجه وما بحكمها من الظاهرين ، كقوله : « أكرم العلماء » و « لا تكرم الفسّاق » و « ينبغي غسل الجمعة » و « اغتسل للجمعة » لظهور الأوّل بمادّته في الاستحباب والثاني بهيئته في الوجوب ، فلا بدّ إمّا من إرجاع الأوّل إلى الثاني بحمله على الوجوب أو إرجاع الثاني إلى الأوّل بحمله على الاستحباب.
وقد يتأتّى بإرجاع التأويل إليهما معا فيحتاج إلى شاهدين ، وقد يكتفى بشاهد واحد إذا صار أحدهما بانضمام شاهد التصرّف فيه قرينة على التصرّف في الآخر كما في المتبائنين ، كقوله : « أكرم العلماء » و « لا تكرم العلماء » إذ لا يندفع التعارض عمّا بينهما إلاّ بتطرّق التصرّف إليهما معا بحمل الأوّل على بعض الأفراد كالفقهاء مثلا والثاني على البعض الباقي كالحكماء مثلا.
ونحوه قوله : « ثمن العذرة سحت » وقوله : « لا بأس ببيع العذرة » ومن طرق الجمع بينهما حمل الأوّل على عذرة غير مأكول اللحم والثاني على عذرة مأكول اللحم. ولكن لا بدّ لكلّ من شاهد.
ومن أمثلته أيضا « اغتسل للجمعة » و « لا تغتسل للجمعة » لظهور الأوّل في الوجوب والثاني في التحريم ، ومن طرق الجمع بينهما حمل الأوّل على مجرّد الرخصة في الفعل ـ أعني الإباحة ـ والثاني على مرجوحيّة الفعل فيثبت بهما الكراهة ، والظاهر أنّ هذا ممّا يكتفى فيه بشاهد واحد ويستغنى به عن الشاهد الآخر ، فلا بدّ في هذا المقام من التكلّم في مسائل ثلاث :
المسألة الاولى : فيما كان الجمع بينهما بإرجاع التأويل إلى أحدهما بعينه ، وهو الظاهر الّذي يتعيّن الخروج عن ظهوره بحمله على خلافه تخصيصا أو تقييدا أو تجوّزا ، ففي نحوه ينبغي القطع بتعيّن الجمع وكونه أولى من الطرح.
والسرّ فيه ورود النصّ أو حكومته على ما يقابله وهو أصالة الحقيقة في جانب الظاهر بالمعنى الأعمّ من أصالة العموم وأصالة الإطلاق ، حسبما تقدّم بيانه فيما ذكرناه أخيرا من جريان قاعدة الورود والحكومة في الاصول اللفظيّة.
ومن هنا ظهر أنّه لا تعارض حقيقة في هذه الصورة ، ولو كان فهو صوريّ أو بدويّ لما بيّنّاه من عدم وقوع التعارض بين الوارد والمورود ولا بين الحاكم والمحكوم عليه ، ومرجع هذا الجمع إلى وجوب تقديم النصّ على الظاهر بالخروج عن ظهوره ووجه تقدّمه كونه