يعدّل بدعوى عدم العلم بصدور موجب الفسق ، ومن الظاهر عدم التعارض بينهما ، وإطلاق هذا التعليل كإطلاق تقديم قول الجارح وإن كان عندنا عليلا ـ كما حقّقناه وفصّلناه في محلّه ـ غير أنّ المقصود هنا بيان عدم جريان الجمع بهذا المعنى في مسألة تعارض البيّنتين لكون تصديق كلّ منهما تكذيبا للاخرى.
والسرّ فيه : أنّ كلاّ منهما إخبار بالحقّ عن علم.
بل المراد به الأخذ بكلّ منهما في نصف المدّعى به ، فلو قامت بيّنتان عند التداعي في عين شخصيّة يجمع بينهما بإعطاء نصف تلك العين أحد المتداعيين عملا ببيّنته في الجملة والنصف الآخر المتداعي الآخر عملا ببيّنته أيضا في الجملة ، ومثله ما لو اختلف مقوّمان في تقويم عين معيّنة ، فقال أحدهما : بأنّ قيمتها عشرة ، والآخر : أنّها إثنا عشر ، فيجمع بينهما بأخذ نصف كلّ منهما فيحكم بأنّ قيمة العين أحد عشر ، لأنّه مجموع النصفين من المجموعين ، فهل الجمع بهذا المعنى أولى هنا من طرح إحداهما بالكلّية والأخذ بالاخرى كذلك تخييرا أو لا؟
والّذي يظهر من ثاني الشهيدين في تمهيد القواعد هو الأولويّة ، بل جعل التنصيف الّذي يحكم به الحاكم في تعارض البيّنتين من فروع أولويّة الجمع بين الدليلين وثمراته ، وهذا بظاهره مشكل بل لا وجه له ، لعدم إمكان الجمع بحيث يجدي في ارتفاع التعارض ، إذ المانع من الأخذ بنصف مقتضى كلّ منهما بعينه مانع من الأخذ بالنصف الآخر من كلّ منهما ، ضرورة أنّه لا مانع في المقام من العمل بهما معا في النصف الساقط إلاّ المعارضة ، وهي كما أنّها موجودة بالنسبة إلى أحد النصفين فكذلك موجودة بالنسبة إلى النصف الآخر ، لوضوح أنّ كلاّ منهما تقتضي ثبوت تمام الحقّ لصاحبها ، والمقتضي لثبوت تمام الحقّ يقتضي ثبوت بعض الحقّ أيضا ، فيقع التعارض بينهما في كلّ من النصفين ، وطرح النصف عن مقتضى كلّ منهما لا يقضي بعدم المعارضة بينهما بل هي بعد باقية على حالها ، وجعلها مانعة في البعض دون غيره كما ترى.
وبالجملة مآل الجمع بهذا المعنى إلى الأخذ بكلّ منهما في الجملة وطرح كلّ منهما في الجملة ، ونحن نقول : إنّه ليس بأولى من طرح إحداهما بالكلّية والأخذ بالاخرى بالكلّية ، وليس لأحد أن يجعل الأوّل أرجح بالنظر إلى دلالة ما دلّ على وجوب العمل بالأمارات والبيّنات ، لأنّه كما أنّ الأوّل موافقة لتلك الأدلّة بالعمل بالبعض في الكلّ فكذلك الثاني أيضا