موافقة لها بالعمل بالكلّ في البعض ، ولا يعقل للأوّل رجحان على الثاني لاشتمال كلّ على عمل في الجملة ومخالفة في الجملة.
غاية الفرق بينهما حصول العمل والمخالفة في بعض الكلّ وكلّ البعض ، وكون ذلك موجبا لرجحان أحدهما على الآخر غير معقول ، وليس مبنى بناء الأصحاب في عنوان هذه المسألة على التنصيف من غير خلاف يعرف بينهم على كون ذلك جمعا بل الحكم إجماعي ظاهرا ، ولعلّ النكتة فيه أنّ المخالفة القطعيّة في الجملة مع الموافقة القطعيّة كذلك أولى من المخالفة والموافقة الاحتماليّتين في نظائر المقام.
وتوضيح ذلك : إنّ إعمال البيّنة ونحوها من الأمارات إنّما هو لأجل إثبات حقّ من حقوق الآدميّين ، والعمل بالبيّنات لإثبات الحقوق والأموال ليس كالعمل بالأدلّة لإثبات الأحكام والتكاليف ، فإنّ المخالفة القطعيّة في الأحكام والتكاليف ـ على ما حقّق في محلّه ـ غير جائزة ، فلو اجتمع الواجب والحرام واشتبها كالإنائين المشتبهين مثلا إذا وجب استعمال أحدهما وحرم استعمال الآخر فلا يجوز القول باستعمال كليهما ولا بترك استعمال كليهما لاستلزام كلّ منهما مخالفة قطعيّة ، أمّا الأوّل فلاستلزامه ارتكاب المحرّم بعنوان القطع ، وأمّا الثاني فلاستلزامه ترك الواجب بعنوان القطع ، وإن استلزم كلّ منهما القطع بالموافقة من جهة فعل الواجب في الأوّل وترك الحرام في الثاني ، بل في نحو ذلك لابدّ من استعمال أحدهما وترك الآخر بحكم القوّة العاقلة بأولويّة المخالفة والموافقة الاحتماليّتين بالقياس إلى المخالفة والموافقة القطعيّتين ، بخلاف المقام الّذي هو من الحقوق فإنّ القطع بإثبات نصف الحقّ لصاحبه مع إبطال نصفه الآخر أولى من احتمال إثبات تمام الحقّ مع احتمال إبطال تمام حقّه ، وذلك لبناء العرف واستقرار طريقة الشارع عليه ، ولذا ترى الناس في الخصومات والمنازعات لا يزالون يبادر أذهانهم إلى الإصلاح بين المتنازعين ويحملونها مهما أمكن على الصلح ، بل صار أولويّة ذلك ورجحانه عندهم من سجاياهم ، وقد ورد في الروايات أيضا ما يقضي بذلك ونطق به الكتاب العزيز أيضا.
فصار محصّل الكلام : أنّ بناء الناس في تعارض البيّنات ونحوها على عكس بنائهم في الأدلّة المتعارضة ، لبنائهم ثمّة على الجمع بين الحقوق.
ويؤيّده الاعتبار أيضا من حيث إنّ التنصيف والأخذ بكلّ منهما في البعض تسوية وهي لا تقتضي داعيا إلاّ رفع الخصومة وقطع المنازعة ، بخلاف الأخذ بإحداهما وطرح