وقد صنّف جماعة من قدمائنا كتبا في ردّ الاجتهاد وعدم جواز الأخذ به ، منها : كتاب « النقض على عيسى بن أبان في الاجتهاد » وذكره النجاشي (١) والشيخ في مصنّفات الشيخ الجليل إسماعيل بن عليّ بن إسحاق عن أبي سهل بن نوبخت. ومنها : كتاب « النقض في اجتهاد الرأي عليّ ان الراوندي ». ذكره الشيخ (٢) في ترجمة إسماعيل المذكور نقلا عن ابن النديم أنّه من مصنّفاته. ومنها : « الاستفادة في الطعون على الأوائل والردّ على أصحاب الاجتهاد والقياس » من مصنّفات عبد الله بن عبد الرحمن الزبيريّ ذكره النجاشي (٣) ، ومنها : كتاب « الردّ على من ردّ آثار الرسول واعتمد على نتائج العقول » من مؤلّفات الشيخ الجليل هلال بن إبراهيم بن أبي الفتح الدلفيّ (٤) ذكره النجاشي (٥). ومنها : كتاب « النقض على ابن الجنيد في اجتهاد الرأي » من مؤلّفات الشيخ المفيد (٦) ، إلى غير ذلك من الكتب في هذا الشأن » انتهى (٧).
والجواب : بمنع منافاة الامور المذكورة لطريقة أصحابنا المجتهدين المعمولة لديهم خلفا عن سلف ، وهي الاجتهاد بمعنى بذل الوسع وتحمّل المشقّة في فهم الكتاب والأخبار النبويّة والإماميّة ، وتمييز ما يعتبر منها عمّا لا يعتبر ، وإجراء القواعد المقرّرة في الشريعة من أصالة البراءة والإباحة والاحتياط وغيرها من الاصول الممهّدة المعتبرة.
فأمّا عبارة الكليني والصدوق فهي صريحة فيما ينطبق على ما تقدّم في الخطب والوصايا وغيرها من الأخبار ، من منع البناء في الشريعة على الأخذ بالرأي والقياس وغيرهما من الاستدلالات العقليّة والاستحسانات الذوقيّة الغير المنتهية إلى القطع بالحكم ولا العلم بالاعتبار على ما هو متداول بين العامّة ، ومعلوم بضرورة من المذهب أنّ أصحابنا لا يقولون بشيء من ذلك إلاّ من شذّ منهم وضعف ، كابن الجنيد على ما اشتهر منه من بنائه على الرأي والقياس.
__________________
(١) رجال النجاشي : ٣١ ، رقم ٦٨.
(٢) الفهرست ـ للشيخ الطوسي ـ ٣١ ، رقم ٣٦.
(٣) رجال النجاشي : ٢٢٠ ، رقم ٥٧٥.
(٤) وفي المصدر : « المدني » بدل « الدلفيّ » وهو سهو ، والصواب ما أثبتناه في المتن كما ضبطه العلاّمة في إيضاح الاشتباه ـ راجع إيضاح الاشتباه : ٣١٥.
(٥) رجال النجاشي : ٤٤٠ ، رقم ١١٨٦.
(٦) رجال النجاشي : ٣٩٩ ، رقم ١٠٦٧.
(٧) هداية المسترشدين ٣ : ٦٨٣.