وأمّا عبارة السيّد فعلى تقدير كون المراد من الظنّ والاجتهاد المأخوذين فيها الظنّ الاجتهادي المتداول عند الأصحاب ، والاجتهاد المأخوذ فيه الظنّ بهذا المعنى فهي محمولة على ما يراه في وجه المنع من حجّيّة أخبار الآحاد من قطعيّة الأحكام بالكتاب والإجماع والأخبار المفيدة للعلم بتواتر أو استفاضة أو غير ذلك ، المعبّر عنها بانفتاح باب العلم على ما هو المعروف منه ومن أحزابه ، فإنّ هذه الدعوى لو صحّت مطلقة أو في خصوص عصره وما قاربه لقضت بالمنع ممّا عدا العلم قضاء ضروريّا لا يكاد يخفى على أحد من الإماميّة ، وطريقة المجتهدين مبنيّة على فرض الانسداد وعدم التمكّن من العلم في الغالب ، وعليه فلا أظنّ السيّد وأحزابه منكرين لتعيّن العمل بالظنّ ، كيف والمسألة على هذا التقدير إجماعيّة بل ضروريّة على ما ستعرف ، كما أنّ خلافها على تقدير الانفتاح كذلك ، بل تكرّر منه التصريح بالجواز بل الإجماع عليه على فرض الانسداد ، وقد وقفنا عنه بذلك في غير موضع أشرنا إليه في الأجزاء الاخر من الكتاب.
وعليه ينطبق ما عرفت عن ابن إدريس أيضا ، لأنّه كالسيّد في دعوى قطعيّة الأحكام القاضية بعدم حجّية أخبار الآحاد وغيرها من الطرق الغير العلميّة فيها ، هذا مع احتمال كون الاجتهاد في كلامهما مرادا به بعض الوجوه التخريجيّة من هوى ورأي أو استخراج علّة بالطرق المعمولة لدى العامّة ، كما عرفت نظيره فيما ورد في بعض الأخبار المتقدّمة ، وستعرف أيضا تعيّن الحمل عليه في بعض العبارات المذكورة ، كما يحتمل كون الظنّ في كلام السيّد مرادا به الظنّ المستفاد من بعض الوجوه التخريجيّة أو الظنّ الملحوظ بنفسه الغير المنتهي إلى القطع بالاعتبار.
وأمّا عبارة الشيخ فما تضمّن منها لفظ « الاجتهاد » فمحمول على ما تقدّم في بعض الأخبار فيراد به الرأي أو الاستحسان أو غير ذلك ممّا يؤخذ عند العامّة مدركا للحكم ، بدليل قوله : « ليسا بدليلين » فإنّ نفي الدليليّة عنه يقتضي كونه في مقابلة من يأخذه دليلا.
والّذي يقول بجوازه الأصحاب ليس عبارة عندهم عن الدليل ، بل هو على ما عرفت سابقا عبارة عن بذل الوسع في فهم الدليل بمقتضى قواعدهم المقرّرة ، فبين المعنيين بون بعيد ، وظاهر أنّ المنع من أحدهما لا يستلزم المنع من الآخر.
وما تضمّن منها لفظ « الظنّ » فظاهره بقرينة استثناء بعض الموضوعات كون المراد بالظنّ فيه ما يستعمل في تشخيص الموضوعات الخارجيّة ليترتّب عليها الأحكام المعلومة في