الشريعة ، فمفاده المنع من التعويل على هذا الظنّ كما هو المشهور بين المجتهدين المتعبّدين في الأحكام بالظنّ المستفاد من الأدلّة المعهودة عندهم والطرق المقرّرة لديهم ، وهذا هو الحقّ في المسألة.
نعم يشكل الحال في استثناء ما ذكره من الشهادة ، من حيث إنّ العمل بالشهادة في مواردها ليس من باب التعويل على الظنّ ، بل هو تعبّد من الشرع غير منوط بحصول الظنّ ، وقد يحمل كلامه هنا على المنع من مطلق الظنّ من حيث إنّه ظنّ ، على معنى نفي كونه لذاته وفي نفسه حجّة ، وذلك لا ينافي حجّية الظنّ المنتهي إلى العلم ، وهو ما يقطع من الأدلّة الشرعيّة القطعيّة بوجوب العمل به.
وفي كلامه في العدّة ما يشير إلى إرادة هذا المعنى ، حيث إنّه دفع استدلال القائلين بالمنع من القياس بالآيات الدالّة على المنع من الحكم بغير علم ، بأنّ : « للمخالف أن يقول : ما قلنا بالقياس إلاّ بالعلم وعن العلم ، فلم نخالف ظاهر الكتاب ، وإنّما ظننتم علينا أنّا نعلّق الأحكام بالظنون وليس نفعل ذلك ، بل الحكم عندنا معلوم وإن كان الطريق إليها الظنّ » (١).
وهذا كما ترى صريح في الرضا بما يقوله المجتهدون من كونهم في أخذهم بالظنون عاملين بالعلم دون الظنّ من حيث هو ، فإنّه من هذه الحيثيّة ليس بفاصل في الشريعة ، وعلى تقدير نهوض ما يفيد القطع بالاعتبار فالفاصل حينئذ هو القطع المستفاد من هذا القاطع لا نفسه.
وأمّا ما ذكره في مواضع من التهذيب من « أنّا لا نتعدّى الأخبار » فلا ينافي أيضا ما ذكرناه ، لأنّ العمل بالأخبار معناه الأخذ بالظنون المتعلّقة بالأخبار سندا ومتنا ودلالة ومعارضة ، وإنّما أراد بذلك نفي العمل بالقياس وغيره ممّا انفرد به العامّة ، وهذا كما ترى غير مقالة أصحابنا المجتهدين.
وأمّا عبارة الطبرسي فيجري فيها ما ذكرناه في توجيه كلام الشيخ من الوجهين أظهرهما ثانيهما ، نظرا إلى أنّه يؤذن بدعوى إجماع الإماميّة ، فلا تتمّ إلاّ في الظنّ المطلق بالنسبة إلى الأحكام إذا لوحظ بنفسه ومن حيث هو.
وأمّا عبارة المعتبر فهو مرادفة لعبارتي الكليني والصدوق ، فلم يرد منها ما يرادف المقام كما لا يخفى.
__________________
(١) العدّة ٢ : ٦٦٨.