فمراده بالاجتهاد ما يرادف الأخذ بالرأي ، لظهور قوله : « وقال برأيه » بعد قوله : « أفتى باجتهاده » في عطف التفسير ، وعلى تقدير إرادة عطف المباين فيراد من الاجتهاد ما يرادف القياس وغيره من وجوه الاستحسان.
وإن شئت صدق هذه المقالة مع وضوحه لاحظ عبارته المحكيّة عن المعارج قائلا : « بأنّ الاجتهاد في عرف الفقهاء بذل الجهد في استخراج الأحكام الشرعيّة » قال : « وبهذا الاعتبار يكون استخراج الأحكام من أدلّة الشرع اجتهادا ، لأنّها تبتني على الاعتبارات النظريّة الّتي ليست مستفادة من ظواهر النصوص في الأكثر ، سواء كان ذلك الدليل قياسا أو غيره ، فيكون القياس على هذا التقدير أحد أقسام الاجتهاد.
فإن قيل : يلزم على هذا أن يكون الإماميّة من أهل الاجتهاد.
قلنا : الأمر كذلك ، لكن فيه إيهام من حيث إنّ القياس من جملة الاجتهاد ، فإذا استثنى القياس كنّا من أهل الاجتهاد في تحصيل الأحكام بالطرق النظريّة ليس أحدها القياس » انتهى (١).
وبهذا يعلم أنّ إطلاق الاجتهاد عندهم على القياس أو على استخراج الحكم بطريق القياس كان متداولا معهودا في الأزمنة السابقة إلى أعصار قدماء أصحابنا بل أعصار الأئمّة عليهمالسلام ، فعليه يحمل المنع الوارد في كلام كلّ من منع منه من القدماء والمتأخّرين ، بل عليه ينزّل ما في الأخبار كما بيّنّاه سابقا ، فحينئذ اتّضح منع منافاة الكتب المصنّفة في ردّ الاجتهاد والردّ على من يقول به.
ومن الشواهد القطعيّة بصحّة ما ذكرناه في حمل الاجتهاد الواقع في الأخبار وفي كلام كلّ من صرّح بالمنع عنه ما عن وافية الاصول قائلا : « واعلم أنّ الاجتهاد كما يطلق على استعلام الأحكام من الأدلّة الشرعيّة كذلك يطلق على العمل بالرأي والقياس ، وهذا الإطلاق كان شايعا في القديم ، قال الشيخ الطوسي رحمهالله في بحث شرائط المفتي من كتاب العدّة : « إنّ جمعا من المخالفين عدّوا منها العلم بالقياس والاجتهاد وبأخبار الآحاد وبوجوه العلل ، والمقاييس وبما يوجب غلبة الظنّ » (٢) ثمّ قال : « إنّما بيّنا فساد ذلك وذكرنا أنّها ليست من أدلّة الشرع » (٣) وظاهر أنّ الاجتهاد الّذي ذكره أنّه ليس من أدلّة الشرع ليس بالمعنى المتعارف ،
__________________
(١) معارج الاصول : ١٨٠.
(٢) عدّة الاصول ٢ : ٧٢٩.
(٣) عدّة الاصول ٢ : ٧٢٩.