إذ لا يحتمل كونه من جنس الأدلّة ، والسيّد المرتضى في كتاب الذريعة ذكر : « أنّ الاجتهاد عبارة عن إثبات الأحكام الشرعيّة بغير النصوص ، أو إثبات الأحكام الشرعيّة بما طريقه الأمارات والظنون » (١).
وقال في موضع آخر منه : « وفي الفقهاء من فرّق بين القياس والاجتهاد ، وجعل القياس ماله أصل يقاس عليه ، وجعل الاجتهاد ما لم يتعيّن له أصل كالاجتهاد في طلب القبلة وفي قيم المتلفات بالجنايات ومنهم من عدّ القياس من الاجتهاد وجعل الاجتهاد أعمّ منه » انتهى ما أردنا نقله (٢).
وممّا يشهد بذلك أيضا أنّ التعبير في هذه الكتب بالنقض على فلان في اجتهاد الرأي ، بناء على أنّ إضافة « الاجتهاد » إلى « الرأي » بيانيّة كما هو الظاهر ، فيفيد تخصيصا في العنوان وقصرا للحكم على ما خصّ به العنوان ، وعلى فرض كونها لاميّة فتفيد الاختصاص أيضا.
فظهر ممّا ذكرناه جميعا أنّ طريقة المتقدّمين من علمائنا في استعلام الأحكام الشرعيّة عن الطرق النظريّة من الكتاب والسنّة وغيرها وإن كانت موافقة لطريقة الأئمّة وأخبارهم المتواترة مخالفة لطريقة العامّة ، غير أنّها لا تخالف طريقة المتأخّرين ، لأنّها لا توافق طريقة العامّة ، فاتّحدت الطريقتان بحذافير ما عرفته من البيان ، فليتدبّر.
ومنها : أنّ العمل بالظنّ ممّا يستقلّ العقل بقبحه فيستحيل تجويز الشرع له.
وهذا بمكان من الوهن بحيث لا يحتاج إلى البيان ، فإن اريد به أنّ العمل بالظنّ من حيث إنّه ظنّ ممّا يستقلّ العقل بقبحه فهو مسلّم ، لكنّه لا دخل له بمقالة المجتهدين كما بيّنّاه بما لا مزيد عليه ، وإن اريد به أنّه بعد نهوض القاطع على وجوب التعبّد به كذلك فهو ممّا يضحك به الثكلى ، إذ مرجع العمل به حينئذ إلى العمل بالقطع ، وهذا ممّا يستقلّ العقل بحسنه ، بل الّذي يستقلّ بقبحه العقل حينئذ ترك العمل به.
وبالجملة استقلال العقل بقبح العمل بالظنّ إنّما يسلّم إذا لوحظ الظنّ بنفسه ، ومفروض المقام العمل على الظنّ المنتهي إلى العلم ، فالعمل حقيقة على العلم.
ومنها : أنّه لا دليل على جواز العمل بالظنّ ، فلا وجه للرجوع إليه والتعويل في استنباط الأحكام عليه.
__________________
(١ و ٢) الذريعة إلى اصول الشريعة ٢ : (٦٧٢ ـ ٧٩٢).