وعن الثاني : بأنّه إن اريد بأصالة عدم اعتبار الشارع للمزيّة عدم جعله المزيّة حجّة مستقلّة.
ففيه : أنّه لا كلام لأحد في ذلك ولا حاجة لنفيه إلى الأصل ، ولذا قيّدنا المزيّة في تعريف المرجّح بعدم بلوغها حدّ الحجّية ، فالمراد بالمزيّة هنا ما لم يبلغ حدّ الحجّية.
وإن اريد به عدم جعله ما له المزيّة حجّة ، ففيه : أنّه ممّا لا مجال لنفيه بالأصل لمكان القطع بالحجّية ، سواء اريد به الحجّية الذاتيّة أو الفعليّة بالتقريب المتقدّم ، ولا يعارض ذلك بالحجّية الثابتة في الخالي عن المزيّة ، فلا يمكن نفيها أيضا بالأصل لمنع ثبوت الحجّية الفعليّة فيه والحجّية الذاتيّة مشتركة بينهما.
وعن الثالث : بأنّ الأخبار المقيّدة للتخيير بفقد المرجّحات أيضا كثيرة فتحمل مطلقاته على مقيّداته ومرجعه إلى التقييد ، وهو بحسب متفاهم العرف ـ على ما تقرّر في محلّه ـ أولى وأرجح من حمل الأمر بالمقيّد على الاستحباب.
وعن الرابع : فعن العلاّمة في النهاية بمنع بطلان التالي ـ أعني منع الحكم في المقيس عليه ـ لأنّه يقدّم شهادة الأربعة على الإثنين.
سلّمنا لكن عدم الترجيح في الشهادة ربّما كان مذهب أكثر الصحابة والترجيح هنا مذهب الجميع ، انتهى.
والتحقيق في الجواب : أنّ الفرق بين المقامين إنّما هو لفارق وهو النصّ والإجماع على الترجيح في أمارات الأحكام وعدم نصّ ولا إجماع في البيّنات عليه على الوجه الكلّي ، وإن كان قد يرجّح إحدى البيّنتين في بعض الموارد بالأعدليّة أو بالأكثريّة كما في التداعي على عين هي بيد ثالث غير المتداعيين عند الأكثر ، وفيما هو بيد أحدهما عند المفيد وتبعه الإسكافي في الأكثريّة ، وعليه فقضيّة الأصل فيها التوقّف مع قطع النظر عن خصوصيّات الموارد ، وذلك لأنّ البناء في تعارض البيّنتين مع التكافؤ باتّفاق من الأصحاب إنّما هو على التوقّف والرجوع في العمل إلى الاصول والقواعد والأخذ بمقتضاها في كلّ مقام على حسب ما يناسبه ، ففي الطهارة والنجاسة يرجع إلى أصالة الطهارة ، وفي الأملاك إلى قاعدة التنصيف ، وفي الأزواج والأموال الغير القابلة للتقسيم كالفرس والشاة ونحوهما إلى القرعة مثلا ، وإذا كان البناء في صورة التساوي على التوقّف كان البناء عليه أيضا في صورة عدم التساوي واشتمال إحداهما على مزيّة لاتّحاد الطريق وهو شمول أدلّة الحجّية لذي المزيّة