صاحب الحدائق مع كونه من الأخباريّين الّذين ليس ديدنهم في العمل بالأخبار على الطعن بالسند ولا الراوي ولا اعتبار الأنواع الّتي أحدثها المتأخّرون طعن على هذه الرواية في سندها وراويها ، وقال : لا اعتداد بهذا الخبر ولا بالكتاب الّذي هو فيه ولا بكاتبه ».
لا يقال : إنّ مع المرفوعة أيضا مرجّحا وهو الشهرة ، على ما سبق إليه الإشارة من أنّ المشهور بين العلماء تقديم الخبر المشهور على غيره وإن كان راويه أعدل أو أفقه أو أصدق أو أورع ، والمرفوعة موافقة من حيث الدلالة لتلك الشهرة لقضائها بتقديم المشهور على خبر الأعدل والأفقه وغيره على حسب ما هو المشهور.
لأنّا نمنع تحقّق الشهرة بالمعنى الّذي يعدّ من المرجّحات ـ وهو شهرة الرواية ـ في المرفوعة ، بل المتحقّق فيها ـ على تقدير تسليمه ـ إنّما هو الشهرة الفتوائيّة لا بمعنى عمل الأكثر بمضمونها لينجبر ضعفها أو قصورها بالعمل ، بل بمعنى موافقة مضمونها لفتوى الأكثر ، وهذه ليست من الشهرة المرجّحة للمتن في شيء ، مع تطرّق المنع إلى تحقّق الشهرة بهذا المعنى لو اريد به أنّ الأصحاب يقدّمون الخبر المشهور على غيره ممّا رواه الأعدل في الواقع مع علمهم بأعدليّة راويه ، ولو اريد به أنّهم يقدّمون المشهور على ما كان راويه أعدل في الواقع من حيث عدم علمهم بأعدليّة الراوي فهو وإن كان مسلّما غير أنّه لا ينافي اتّفاقهم على تقديم رواية الأعدل في موضع العلم بالأعدليّة على رواية غير الأعدل وإن كانت مشهورة من حيث الرواية كما نبّهنا عليه سابقا.
كما يمكن دفع الإشكال من الجهة الثانية : بإعمال قاعدة حمل المطلق على المقيّد ، بتقريب : أنّ النسبة بين المرفوعة والمقبولة عموم وخصوص مطلق ، إذ المقبولة في الأمر بالأخذ بما خالف العامّة مقيّدة بصورة تساوي الخبرين في الموافقة للكتاب والمرفوعة مطلقة بالقياس إلى هذه الصورة وإلى صورة مخالفة أحدهما للكتاب وموافقة الآخر له أو مخالفتهما معا له أو ما لم يكن في الكتاب شيء يوافقهما أو يخالفهما.
ومن البيّن أنّ المطلق قابل للتقييد ، فليحمل على ما عدا صورة موافقة أحدهما ومخالفة الآخر للكتاب.
ومن الجهة الثالثة : بحمل المقبولة على صورة لم يمكن الاحتياط في الواقعة باعتبار دوران الأمر فيها بين المحذورين ، أو على صورة موافقة الخبرين أو مخالفتهما الاحتياط ، نظرا إلى أنّ الأمر بالأخذ بما وافق الاحتياط الوارد في المرفوعة مشروط بأمرين ، أحدهما :