الصدور ومرجّحات الصدور أو لا؟ ثمّ النظر في ترجيح أحدهما على الآخر على تقدير وقوع التعارض ، والظاهر أنّ الحكم في المسألتين يختلف باختلاف الوجوه المحتملة في الترجيح بمخالفة العامّة ومرجّحيته ، فإنّ ذلك يحتمل وجوها :
أحدها : كونه لمجرّد التعبّد ، على معنى أنّ الشارع أوجب علينا الأخذ بما يخالف العامّة وطرح ما يوافقهم تعبّدا محضا من دون نظر إلى الواقع ، ولا إلى أنّ الأوّل مطابق للواقع أو أقرب إليه والثاني مخالف له أو أبعد عنه.
وملخّصه : كون الواقع بالمرّة ملغى في نظره ، كما هو المنساق من إطلاق كثير من الأخبار المتقدّمة الآمرة بالأخذ بما يخالفهم من دون تعليل له بما يأتي.
وثانيها : حسن مجرّد المخالفة ، على معنى أنّ المخالفة في نفسها مصلحة أوجبت كون الأخذ بالمخالف محبوبا ومطلوبا للشارع ، والموافقة لهم في نفسها مفسدة أوجبت كون الأخذ بالموافق مبغوضا للشارع وإن كان مؤدّاه حقّا ، نظير منع الاستناد إلى القياس وكونه مبغوضا وإن كان مؤدّاه حقّا ، كما ربّما يومئ إليه بعض الأخبار مثل مرسلة داود بن الحصين : « أنّ من وافقنا خالف عدوّنا ، ومن وافق عدوّنا في قول أو فعل فليس منّا ولا نحن منه » ورواية الحسين بن خالد : « شيعتنا المسلّمون لأمرنا الآخذون بقولنا المخالفون لأعدائنا ، فمن لم يكن كذلك فليس منّا ، فيكون حالهم حال اليهود الوارد فيهم قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : خالفوهم ما استطعتم ».
وثالثها : مطابقة المخالف لهم الواقع أو كونه أقرب إليه والموافق بخلافه ، كما يشهد له التعليل : « بأنّ فيه الرشاد » ، أو « أنّ الرشد في خلافهم » ، أو « أنّ الحقّ في خلافهم » في غير واحد من الأخبار المتقدّمة.
وفي معناها رواية عليّ بن أسباط قال : قلت للرضا عليهالسلام : يحدث الأمر لا أجد بدّا من معرفته ، وليس في البلد الّذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك؟ فقال : « ائت فقيه البلد واستفته في أمرك ، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإنّ الحقّ فيه ».
وخبر أبي إسحاق الأرجائي قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : « أتدري لم امرتم بالأخذ بخلاف ما يقوله العامّة؟ فقلت : لا أدري ، فقال : إنّ عليّا صلوات الله عليه لم يكن يدين الله بشيء إلاّ خالف عليه العامّة إرادة لإبطال أمره ، وكانوا يسألونه صلوات الله عليه عن الشيء الّذي لا يعلمونه ، فإذا أفتاهم بشيء جعلوا له ضدّا من عندهم ليلبسوا الحقّ ».