ورابعها : كون الخبر الموافق يجري فيه من احتمال التقيّة ما لا يجري في الخبر المخالف إمّا للعلم بأنّه على تقدير الصدور إنّما صدر لبيان الواقع ، أو لكون احتمال التقيّة فيه أضعف منه في الآخر ، كما يدلّ عليه قوله عليهالسلام في رواية « ما سمعته منّي يشبه قول الناس ففيه التقيّة ، وما سمعته منّي لا يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه ».
ومن الظاهر أنّ مرجّح الصدور لا يعارض مرجّح جهة الصدور على الوجه الأوّل ، لأنّ قضيّة إطلاق التعبّد الشرعي حسبما بيّنّاه طرح الخبر الموافق ولو كان رواية أعدل ، وكذلك على الوجه الثاني لأنّ موافقة مذهب العامّة إذا كانت في نفسها مفسدة قبالا لمصلحة المخالفة فلا تأثير لأعدليّة الراوي في رفعهما ، وكذلك على الوجه الثالث لأنّ مخالفة [ العامّة ] إذا أوجبت أقربيّة الخبر إلى الواقع وأبعديّة معارضه عن الواقع فلا يزاحمها أعدليّة راوي المعارض الموجبة لكونه أقرب إلى الصدور ، لأنّ غاية ما يقتضيه الترجيح به الحكم عليه بكونه صادرا عن المعصوم ، وهذا لا يلازم كونه أقرب إلى الواقع ، لأنّ الخبر قد يصدر تقيّة أو لا لبيان الواقع لمصلحة غير التقيّة.
وأمّا على الوجه الأخير فربّما يتراأى في بادئ النظر وقوع التعارض بينهما ، إذ المفروض عدم معلوميّة صدور الخبرين كما في المتواترين اللفظيّين وقضيّة مرجّح الصدور طرح الخبر المخالف على أنّه غير صادر ، ومقتضى مرجّح جهة الصدور طرح خبر الأعدل على أنّه على تقدير الصدور إنّما صدر على وجه التقيّة ، وهما مدلولان متنافيان ولا نعني من التعارض إلاّ هذا.
وبعبارة اخرى : أنّ كلاّ من المخالف والموافق أقوى احتمالا من الآخر في جهة وأضعف احتمالا منه في جهة اخرى ، ضرورة أنّ الخبر المخالف يحتمل فيه من عدم الصدور ما لا يحتمل في الخبر الموافق بملاحظة أعدليّة راويه فإنّه أبعد من الكذب والافتراء ، كما أنّ الخبر الموافق يحتمل فيه من الصدور تقيّة ما لا يحتمل في الخبر المخالف بملاحظة كونه مخالفا ، فللكلّ رجحان ومرجوحيّة.
وحينئذ فينبغي القطع بأنّ الترجيح إنّما هو لمرجّح الصدور ، لأنّ له نحو موضوعيّة لمرجّح جهة الصدور ، لأنّ الخبر إنّما يحكم عليه بكونه صدر لبيان الواقع بعد إحراز صدوره ، والصدور في المتعارضين يحرز بمرجّحه ، وأعدليّة الراوي في الخبر الموافق إذا أوجبت الحكم على الخبر المخالف بعدم الصدور فلا يبقى لمرجّح جهة الصدور محلّ يترجّح به