على معارضه ، إذ المفروض عدم صدوره.
ولك أن تأخذ هذا البيان وجها لعدم وقوع التعارض بينهما على الوجه الأخير أيضا ، لأنّ مثلهما على هذا البيان مثل الأصل الموضوعي والأصل الحكمي ، فكما أنّ الأصل الموضوعي وارد على الأصل الحكمي برفعه موضوع الأصل الحكمي فلا يجري بعد انتفاء موضوعه حتّى يعارض الأصل الموضوعي ، ففيما نحن فيه أيضا لا موضوع لمرجّح جهة الصدور فلا يجري حتّى يعارض مرجّح الصدور.
ولعلّ هذا هو الوجه فيما هو في مقبولة ابن حنظلة من تقديم صفات الراوي الّتي هي مرجّحات الصدور على مخالفة العامّة ، وفرض الترجيح في صورة تساوي الخبرين من جهة صفات الراوي وغيرها ليحرز بها الصدور فيهما معا ، وعليه فمرجّحات الصدور كمرجّحات الدلالة ، فكما أنّ مرجّح جهة الصدور لا يعارض الدلالة على ما سنبيّنه ، فلو كان الخبر الموافق لمذهب العامّة أظهر وجب تقديمه وإرجاع الظاهر ـ وهو الخبر المخالف ـ إليه بتخصيص أو تقييد أو تأويل آخر ، فكذلك لا يعارض مرجّحات الصدور في شيء من الوجوه الأربع المتقدّمة ، وانتظر لتتمّة الكلام في ذلك في آخر المبحث.
ثمّ إنّ الظاهر أنّ الوجوه الأربع المذكورة لمرجّحيّة المخالفة والموافقة لا يتحصّل منها لنا اليوم إلاّ الوجه الأخير ، لأنّ غيره مبنيّ على كون الخبر الموافق موافقا لمذهب كلّهم أو أكثرهم أو ما اشتهر من مذهبهم ولو كان لبعضهم ، ولا سبيل لنا إلى العلم بشيء من هذه العناوين ، بل العلم بهما إنّما يتيسّر لأصحاب الأئمّة الموجودين في أعصارهم ومن قاربهم في العصر ممّن تأخّر عنهم ، وإنّما المتحصّل لنا اليوم الموافقة والمخالفة لمذهب بعضهم مع احتمال موافقة المخالف له لمذهب بعض آخر.
وقضيّة ذلك كون احتمال التقيّة في الموافق أقوى منه في المخالف ، وهذا هو عنوان الوجه الأخير الّذي عبّرنا عنه بأنّ الخبر الموافق يحتمل فيه من التقيّة ما لا يحتمل في الخبر المخالف ، فيكون أبعد عن التقيّة وأقرب إلى الواقع ، ومن المعلوم أنّه لا يمكن في نحوه الحكم بالتعبّد في المخالف على هذا الوجه ، ولا الحكم بكون المخالفة في نفسها مصلحة ، ولا الحكم بمطابقته الواقع لقيام احتمال التقيّة والموافقة فيه أيضا.
غاية الأمر كونه أضعف منه في الخبر الموافق ، غير أنّ مجرّد ذلك الّذي مرجعه إلى أقلّيّة الاحتمال أيضا يصلح مرجّحا بناء على ما استفدناه من العلّة المنصوصة في المقبولة.