وحاصله : أنّ الخبر الموافق فيه من احتمال الريب ما ليس في الخبر المخالف ، فلو علمنا بموافقة أحد الخبرين لمذهب بعض العامّة واحتملنا موافقة الخبر الآخر لمذهب بعض آخر منهم كان الرجحان في جانب ما احتملنا موافقته ، لأنّه أقلّ احتمالا بالنسبة إلى التقيّة من الخبر المعلوم موافقته ، وعليه فيخرج ذلك من المرجّحات المنصوصة ويدخل في المرجّحات الغير المنصوصة ، لاختصاص المرجّح المنصوص بالمخالف والموافق لمذهب كلّهم أو أكثرهم أو ما اشتهر من مذاهبهم.
وبالجملة هناك صور :
منها : المخالفة والموافقة لمذهب كلّهم.
ومنها : المخالفة والموافقة لمذهب أكثرهم.
ومنها : المخالفة والموافقة لما اشتهر من مذاهبهم.
ولا ريب في كون الأوّلين من المرجّحات المنصوصة وكذلك الثالث ظاهرا.
ومنها : الموافقة والمخالفة لمذهب بعضهم مع احتمال الموافقة في المخالف أيضا.
والأصل في عدم تحصّل الوجوه الثلاث الاول لنا : تعذّر الاطّلاع لنا على جميع مذاهب العامّة ، وعلى كون مذهب كلّهم أو مذهب أكثرهم في زمان الصدور شيئا واحدا ، وعلى أنّ الحكم الفلاني هو ما اشتهر من مذاهبهم ولو كان لبعضهم كأبي حنيفة هذا.
واعلم أيضا أنّ الصحيح من الوجوه الأربعة المحتملة في مرجّحية المخالفة لمذهب العامّة ـ مع قطع النظر عمّا بيّنّاه من أنّه لا يتحصّل لنا اليوم إلاّ بعضها ـ إنّما هو الوجه الأخير أيضا لضعف ما سواه.
وأضعف الوجوه أوّلها ، أمّا أوّلا : فلأنّه خلاف ما ينساق من مجموع أخبار التراجيح المتكفّلة لبيان المرجّحات من كون مبنى الترجيح على الكشف النوعي وهو قسيم للتعبّد.
وأمّا ثانيا : فلأنّه خلاف ما استقرّ عليه عمل العلماء قديما وحديثا من حمل الغير الموافق عند الترجيح بالمخالفة على التقيّة.
وأمّا ثالثا : فلأنّه خلاف ما ينساق من الأخبار المعلّلة بالحقّ والرشد والرشاد ، فيلزم من الالتزام به طرح جميع هذه الأخبار ، مع أنّه لا مدرك له إلاّ الإطلاق المتوهّم في الأخبار المطلقة.
ويدفعه : وجوب تنزيلها على الأخبار المعلّلة حملا للمطلق على المقيّد ، ويقرب منه في الضعف الوجه الثاني لعين الوجوه المذكورة مع خلوّه عمّا يشهد به. والاستشهاد له