خلافه بل الظاهر أنّه اتّفاقي ، وضابطه كلّ ظنّ تفصيلي بالحكم لم يجامع العلم الإجمالي بذلك الحكم ، ولا ينافي ذلك حسن العمل حينئذ لو حصل لرجاء المصادفة الملزومة لكون المظنون حكما ثابتا في نفس الأمر.
وإن كان قاطعا بعدم الإهمال ـ على معنى قطعه بأنّ له في كلّ واقعة ممّا يضاف إليه حكما من الخمس مع علمه بأنّ ذلك الحكم في جملة من الوقائع هو الوجوب وفي جملة اخرى هو التحريم ، سواء حصل ذلك القطع بالضرورة أو بالنظر ـ فإمّا أن يحصل له علم تفصيلي بحكم كلّ واقعة بالخصوص ، أو يتمكّن عن العلم التفصيلي به ، أو يحصل له ظنّ تفصيلي به مع تمكّنه عن العلم به كذلك أو عدمه ، أو يتمكّن عن الظنّ التفصيلي به كذلك مع التمكّن من العلم أيضا أو عدمه ، أو يحصل له في بعض الوقائع علم تفصيلي ضروري أو نظري. وفي بعضها الآخر يتمكّن عن العلم به كذلك ، وفي البعض الثالث لا يتمكّن إلاّ من الظنّ سواء حصل فعلا أو لم يحصل ، وفي البعض الرابع لا يتمكّن عن الظنّ أيضا ، أو لا يحصل شيء من العلم والظنّ الفعليّين في شيء من الوقائع ولا يتمكّن منهما أيضا أصلا.
والمتعيّن في الصورة الاولى تعيّن العمل بالعلم دون غيره ، بل لا يعقل مع حصول العلم التفصيلي فعلا الرجوع إلى غيره ، فهذه الصورة خارجة عن محلّ كلام المجتهدين مع الأخباريّين ، وكذلك الصورة الثانية بل الثالثة أيضا مع فرض التمكّن من العلم التفصيلي في كلّ واقعة ، بل الرابعة أيضا مع التمكّن منه إن لم يكن مرجعه إلى الثانية ، فإنّ المتعيّن في حقّه في جميع تلك الصور على القول بوجوب الاجتهاد عليه ومنعه من التقليد تحصيل العلم التفصيلي وعدم الاكتفاء بالظنّ الحاصل ولا العدول عن تحصيل العلم إلى تحصيل الظنّ.
ولم نقف من المجتهدين على من جوّز الأخذ بالظنّ في هذه الصور ، وهو الّذي يساعد عليه القوّة العاقلة وعليه بناء العقلاء ، كما أنّه كذلك الحال في الصورة الخامسة بالقياس إلى مواضع العلم التفصيلي أو التمكّن منه ، فإنّ المتعيّن في هذه المواضع إنّما هو الأخذ بالعلم وعدم جواز الرجوع إلى الظنّ ، إلاّ على القول بأصالة حجّية الظنّ مع الانسداد الأغلبي على فرض تحقّقه بالقياس إلى سائر المواضع ، القاضية بجواز الأخذ بالظنّ حتّى مع التمكّن من العلم ، كما قد يظهر من بعض الأعلام.