رتبة بالفعل من كلّ وجه ، لأنّ سيره في صفو كلّ رتبة وخالصها دون لوازمها وظواهرها ، فلو كملت فيه رتبة بجميع لوازمها لتقيّد بها ولم يتجاوزها ؛ ولهذا وصف الإنسان بالضعف في أصل خلقة ، كما قال تعالى : ( وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً ) (١).
ولا ينافي ذلك أن وجود الرتبة الّتي يبلغها باعتبار وجودها له وتحقّقه بها أشدّ من وجودها الظهوريّ في نفسها بوجه ، بل في الحقيقة ؛ فإنها فيه روح لها في نفسها ، فهي أشدّ وجوداً وبَساطة وجامعيّة.
فإذن لا يناسب للإنسان حال سفره ولا يتمّ له كمال ظهور الصلاة ونهاية كثرتها ، فأنقص منها ما به يكمل الظهور الوجوديّ والكثرة الخارجيّة ليتناسب التطابق دون ما لم يكن.
وأيضاً مبنى التكليف على التخفيف ؛ لأنه لطف ورحمة والله أرحم الراحمين ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (٢) ؛ لأنه مقتضى العدل ، والوسع دون الطاقة. ومن شأن السفر المشقّة ؛ ولذا رتّب على شقّ الأنفس ، وفيه أشدّ الشغل ، فخفّف الله فيه على العباد من الصلاة لأنها عمل بدنيّ كما أنها نفسانيّ بأن أسقط عنه بعض التكليف البدنيّ ، وهو ما فيه نهاية التكليف ، ولم يخلِه من الزيادة الّتي هي رحمة ، وبها الكمال الظهوريّ ، فأسقط زيادة الاثنتين وأبقى زيادة الواحدة ؛ إذ لا تعذر النفس عن ذلك الكمال ؛ لما فيه [ من (٣) ] الإعراض عن الله تعالى بوجه في حال. فأبقى تكليفه بالأصل وبشيء من الزيادة وأسقط شيئاً.
كلّ ذلك رحمة منه بالعبد ، ولئلّا يحرمه فضلاً مَنّ به عليه بالكلّيّة ، والله العالم بحقيقة أحكامه ، والحمد لله ربّ العالمين.
__________________
(١) النساء : ٢٨.
(٢) البقرة : ٢٨٦.
(٣) في المخطوط : ( عن ).