[١٢٢]
حكمة يمانيّة في خاصّة إنسانيّة : الإنسان ناطق
أطبق أهل اللسان والميزان [ على ] أن ( الناطق ) فصل الإنسان المميّز له عن سائر الحيوان. وهذا كلام مجمل يحتاج إلى بيان ؛ فإن أُريد : أن الناطق خاصّة مساوية للإنسان ، ورد عليهم مشاركة الملك ، بل والفلك ، والجانّ ، فإنّهم فسّروا الناطق بالمدرك للكلّيّات (١) ، ولا ريب أن من ذُكر كلّهم يدرك ولو كلّيّاً واحداً.
ونحن نقول وبالله المستعان ـ : الفصل هو الصورة التي يدور عليها الاسم ، وتتحقّق بها الماهيّة. ولا ريب أن الناطق فصل الإنسان المميّز له من الأكوان ، فهو مساوٍ له ، ومعناه : أن الإنسان من بين الخلائق له قابليّة النطق ، أي مخاطبة جميع أهل درجات الوجود.
فحقيقة الناطق بالفعل من لا يزال ناطقاً أبداً. وكيف لا يكون كذلك ، وهو المخلوق أوّلاً وبالذات من قول ( كُنْ ) (٢)؟ فهو الذي قبلها بكمالها وحقيقتها ، وما سواه فمن فاضله ، فهو مجبول على تلك الحركة. كيف لا ، وقد عرفت أن الرحمن بلطيف حكمته ركّب في قوى الإنسان وطبيعته بل في كونه الأول قوّة النطق بـ ( بَلى ) (٣) في الذرّ الأوّل وبـ ( بلى ) و ( لا ) (٤) في الثاني ، وهداهم النجدين (٥) هناك.
__________________
(١) الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة ٩ : ١٩.
(٢) البقرة : ١١٧ ، آل عمران : ٤٧ ، ٥٩ ، الأنعام : ٧٣ ، النحل : ٤٠ : مريم : ٢٥ ، يس : ٨٢ ، غافر : ٦٨.
(٣) الأعراف : ١٧٢.
(٤) إشارة إلى قوله تعالى : ( إِمّا شاكِراً وَإِمّا كَفُوراً ). الإنسان : ٣.
(٥) إشارة إلى قوله جل من قائل ( وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ). البلد : ١٠.