[٢٥]
إنارة ظلمة وسدّ
ثلمة : التحريم بعد التحليل
إن قيل : لا ريب أن الحسن والقبح عقليّان وأنهما ذاتيّان ، فما الوجه في قوله تعالى : ( فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ) (١) فإن كانت حسنة بذاتها عقلاً فلم حرّمها؟ وإن كانت قبيحة كذلك فلم أحلّها؟ فتحليلها وتحريمها يقتضي حسنها وقبحها ذاتاً ، وهو تناقض. وهذا الإشكال بعينه جارٍ في المنسوخ ، وفي غنائم أهل الحرب ؛ لاشتمالها قبل أن يغنمها المسلمون غالباً على محرّمات كالربا والسرقة والغصب ونحو ذلك ، وبعد ذلك أباحها الرسول صلىاللهعليهوآله : واستباحها. وفي المال المختلط بالحرام وبعد التخميس هو وخمسه حلال ، ومثل المال المجهول المالك وبعد الصدقة به هو حلال ، وما أشبه ذلك.
ولعلّ الجواب ، ومن الله ونوّابه استمداد الصواب من وجوه :
أحدها : أن التحريم بَعْد التحليل في جميع موارده وباب النسخ برمّته دائر مدار مصالح المكلّفين ، وكمال النظام الجمليّ وحكمة الله في خلقه بما يخرجهم من القوّة إلى الفعل على كمال الاختيار ، فالعقل يحكم بحسن ما به وفيه استقامة الوجود وكماله ، وما به كمال التكليف بالعدل ، وكمال اختيار المكلّفين ، وقبح أضداد ذلك. وهذا يختلف باختلاف الأزمان والأصقاع والأشخاص ، وحالات المكلّف ، و [ أن ]
__________________
(١) النساء : ١٦٠.