[١٥]
نكته لطيفة
تعدد المعاذيّة في سورة الناس
يمكن أن تكون النكتة في تعدّد لفظ المعاذيّة بصفات مختلفة المفهوم ، وفي الإتيان بالظاهر دون الضمير [ ثلاث (١) ] مرّات في سورة ( الناس ) هو التنبيه على افتقار الإنسان إلى تدبير الله وعنايته وإمداده وحده لا شريك له ، وعدم غناه عن بارئه بحال في كلّ نشأة ودرجة من منازل وجوده.
فالإنسان أوّل أمره بعد الولادة لا يعرف سوى من يقوم بتربيته من أُمّ أو أب أو ما يقوم مقامهما ، ويتوهّم أن مربية قادر على دفع جميع المكروهات عنه ، وعلى جلب جميع الملائمات والمحبوبات له. ولذا لا تراه يفزع ويلجأ في جميع حوائجه ومهمّاته إلّا لمربّيه ؛ لأنّه لا يرى قادراً سواه.
ثمّ إذا ترقّى إلى إدراك أقوى وأعلى من الأوّل يرى أن الملك الذي مُربّاه تحت قهره هو القادر على جميع ذلك دون من سواه ، فهو لا يفزع في مهماته إلّا له ؛ لأنه لا يرى لغيره قدرةً على شيء ، ولا يعرف ملكاً هو أقدر من ملك أرضه.
ثمّ إذا بزغ فيه نور العقل واستعدّ [ للتكليف (٢) ] الشرعي ، ونظر في آيات الله عرف أن لا قادر على شيء من ذلك إلّا الله تعالى وحده ، وعرف أن الله عزّ اسمه هو
__________________
(١) في المخطوط : ( أربع ) ، ويدلُّ على ما أثبتناه ما سيأتي من كلامه في موضعين.
(٢) في المخطوط : ( التكليف ).